محمد بركة يروي سيرة "دون جوان متقاعد"!

محمد بركة يروي سيرة "دون جوان متقاعد"!
محمد بركة
Smaller Bigger

تتكئ رواية "مهنة سرية" (دار أقلام عربية – القاهرة) للكاتب محمد بركة على سرد ذاتي يتولاه بطل العمل، مستعرضاً حياته من طفولة بائسة إلى كهولة لا تقل بؤساً، على رغم هالة الترف التي باتت تحوطه وتوحي لمن لا يعرف مكنون نفسه أنه يعيش في سعادة غامرة. 
يخصص الكاتب معظم السرد لمرحلة محددة في حياة بطل روايته، هي تلك التي كان يتمتع في خلالها بفحولة جنسية أهَّلته لاقتحام عالم بيع المتعة، تحت ستار "تقديم خدمات سياحية خاصة"، لمن يطلبنها من النساء الراغبات في خوض مغامرات غير مألوفة في العلاقات الجنسية. 
تتابع الرواية رحلة ذلك الفحل من بدايتها التي تكاد أن تكون بدائية إلى ذروتها المتصلة بأحدث تقنيات ذلك "البيزنس" الذي تلفه عادة هالة من الغموض والسرية، كالتي تعتمدها عصابات المافيا. 
يُعرف من يمارس تلك المهنة بـ "جيغولو"، وهو مصطلح بدأ في عشرينات القرن العشرين؛ "يشير إلى مَن يراقص امرأة في مقابل المال، لكن في الفراش هذه المرة" (ص 128). 
لم يتح لنا استعراض حياة بطل الرواية فرصة التعرف على منابع ثقافته المحيطة بكلاسيكيات الأدب والسينما والفن التشكيلي، والسياسة والاقتصاد والفلسفة، وقد نرجح أن الكاتب أعاره ثقافته هو شخصياً. ولكن تظل تلك الثقافة مقحمة على عالم لا يحفل أصلا بها، وربما لا يحتاج هذا الفحل منها سوى الى الإلمام بمفردات من لغات أجنبية للتواصل مع "العميلات" في أضيق الحدود. 
وهنا علينا أن نلاحظ أن البطل علاء نشأ في بيئة لم تهيئ له سوى تعليم عادي إلى أن بلغ سن الشباب وبات عليه البحث عن عمل يوفر له الحد الأدنى من أسباب العيش، فلم يجد في النهاية (عام 2009) إلا ذلك "العمل" الذي يقدم بمقتضاه "خدمات خاصة" الى سائحات لا يُجدن العربية في منتجع شرم الشيخ، لقاء المال. 

 

أول الأسئلة
تحفل الرواية بمشاهد اروسية أبدع بركة في نسجها بلغة تحتفي بالمجاز يقول السارد: "بشرتي السمراء كانت الأزمة التي صنعتُ منها أجمل الفرص. سطح ممغنط يجتذب كل نقيض"، في إشارة إلى ما عاناه طويلاً من تنمّر بسبب بشرته الداكنة التي ورثها عن أبيه الذي كان إمام مصلين في "زاوية" (مسجد صغير) "في حي نسيته الجغرافيا وأنكره التاريخ"؛ يمارس معظم أهلها "المهنة الأكثر ربحاً وقذارة في التاريخ"، وهي هنا معادل رمزي للبغاء، في وعي السارد أو لا وعيه. 
تلك المنطقة التي تعتبر مكب نفايات كبيراً تقع شرق القاهرة عند جبل المقطم.
أما أمه فكانت مولعة بالعطور؛ "بما فيها الماركات العالمية" (لا نعرف كيف يمكنها هي الفقيرة شبه الأمية الوصول إليها). 
يبدأ السرد من النهاية التي تستعرضها ما يمكن اعتبارها مقدمة تسبق متناً من 21 فصلا، يبدأ كل منها بسؤال تطرحه امرأة ما، ويجيب عليه السارد الذاتي نفسه، بإيجاز محكم وتكثيف قريب مما يميز قصيدة النثر، ويعكس في الوقت ذاته إبداعاً رفيع المستوى! 
السؤال الأول: "ما الغضب؟" الإجابة: "بركان ينفجر في كف الشيطان". وعقب هذا الاستهلال يأتي أول فصول الرواية ليروي كيف اقترن الأب الأعمى الداكن البشرة بامرأة "حليبية البياض" تصغره في السن، تحت ضغط أبيها (الذي كان هو أيضاً أعمى) عليها بمنطق ساذج: "أقسمَ أن يجعلها من نصيب شخص يذكره الله في الملأ الأعلى وينعم عليه برؤية وجهه الكريم يوم القيامة" (ص 13). 
ثم لن نعرف لماذا كان على ذلك الزوج أن يغيب كثيراً عن بيت الزوجية، فتعوض الزوجة المغلوبة على أمرها غيابه باتخاذ عشيق، كلما زارها ترسل ابنها إلى جارة لعوب، هي التي نشطّت وعيه بالجنس منذ كان طفلاً لم يتجاوز بعد السادسة من عمره.

معظم الشخصيات بلا أسماء، ربما لأنها كانت تعيش دائماً على الهامش، في بيئة مهملة، محرومة أدنى الخدمات التي تؤمن لها حياة كريمة؟ في مقابل أن لكل "عميلة" اسماً تعرف به.

 

 

رحلة البوح   
السرد بضمير المتكلم، وهو موجَّه إلى امرأة ما ترغب في أن تعرف حكاية ذلك الفحل المتقاعد من أولها: "تسألني التي اقتحمتني بصخبها الطفولي وصدرها المتأهب للنزال"، وهذا أمر له ما يبرره فنيا، بما أنه يخص من البداية إلى النهاية تجربة شخصية في عالم مغلَّف بالسرية والغموض. يقول: "الغضب نَمرة نجحتُ في ترويضها، أتعاطف مع أبي لكنني أعشق أمي"...  لكنه يُنطق تلك الأم بما يفوق ثقافتها، عندما يذكر أنها كانت تقول له في طفولته: "كن محمود مختار (النحات المصري الشهير) تكن ستات الدنيا لك صلصالا". وتجدر الإشارة هنا إلى أن أصول العائلة ترجع إلى محيط مدقع الفقر في أسيوط في جنوب مصر. 
ففي كثير من الأحيان يغلب على لغة السرد الطابع المجازي، المتسق مع ثقافة الكاتب أكثر من اتساقه مع ثقافة السارد.

 

آخر الأسئلة    
في تلك الرحلة، التي ستتخللها على نحو عابر أحداث ثورة 25 يناير 2011 في مصر، يعترف "الفتى الأسمر" للفتاة التي رغبت في كتابة سيرته. يعيش بعد تقاعده في فيلا على طريق القاهرة، الإسكندرية الصحراوي، تدير تفاصيلها اليومية سيدة ألمانية؛ "قليلة الكلام بالغة الصرامة". يقول في صيغة مونولوغية: "أنا رجل على باب الله، لا يضع شيئا في فمه بعد الخامسة عصرا، وتوقظه ساعته البيولوجية يوميا مع أول ضوء للفجر". 
ويمكن القارئ أن يلاحظ كثرة التعبيرات التي تقترب من الصياغة العامية متخللة السرد، من مثل: "على باب الله، هز الوسط، مرار طافح، عرض أوكازيون والحق يا زبون، دفع العريس قرشين للأب...". أما الفصل الأخير فيبدأ بسؤال المروي لها: وما النهاية؟ وإجابة السارد المترعة بالحكمة: "تمهيد حتمي يسبق البداية". 
وفي هذا الفصل، الذي يدور ربما في زمن لم يأت بعد، على صعيد الواقع، نقترب من التعرف على سر الثراء الفاحش الذي يعيش في ظله ذلك "الداعر المتقاعد"، وارتباطه بـ "واحدة من أغرب قضايا الرأي العام". لكن السارد، يواصل إصراره على عدم البوح إلى "الجميلة الصغيرة" المروي لها، بتفاصيل ما حدث حتى بعد انقضاء عقود عدة على قضية الرأي العام تلك، والتي تتلخص في أن "زوجة خائنة قتلت زوجها، دون مبرر واضح، ثم انتحرت بعد أن رتبت انتقال الثروة لعشيق توارى عن الأنظار ولم يسمع أحد شهادته، طوال عقود عدة".

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/4/2025 6:56:00 PM
شقيق الضحية: "كان زوجها يمسك دبوسا ويغزها في فمها ولسانها كي لا تتمكن من تناول الطعام".
أوروبا 11/4/2025 7:39:00 PM
يبلغ من العمر 48 عاما ويعمل في شركة LNER منذ أكثر من 20 عاما.
فوز زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك، ليصبح أول مسلم من جيل الألفية يتولى قيادة أكبر مدن الولايات المتحدة