
في 14 شباط/ فبراير تضج وسائل التواصل الاجتماعي بعبارات الحب والموسيقى والألوان الحمراء و"الدباديب"، والسخرية من كل ذلك أيضاً. فكيف ينظر الكتاب والشعراء العرب إلى "عيد الحب" ومعناه؟ وهل ساهمت وسائل التواصل في تأكيد قيم الحب أم ابتذلتها؟
وفي ما يلي شهادات لمبدعين عرب تجيب عن سؤال الحب ذلك اللغز المراوغ:
الروائي الكويتي عبد الوهاب الحمادي:
عيد الحب مناسبة سنوية وموسم للاستهلاك والشراء من الدباديب الحمراء وصولاً للألماس والمجوهرات. وفي حقيقة الأمر ذلك لا يعنيني بشيء، لا لعدم إيماني بجدوى الحب ولا كراهية بتخصيص يوم له، بل لأن هذا اليوم يعني لي ذكرى مشاهدتي للتلفاز والنقل المباشر من بيروت، عندما اندلعت نيران وعمود دخان يرتفع الى السماء. حار البرية في تفسير ذلك الانفجار، حتى أعلن عن حادثة اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني السابق. حينها كانت تطوى صفحة من تاريخ لبنان والشرق الأوسط وتبدأ أخرى. أعرف أن هذا المشهد يناقض بشكل من الأشكال فكرة عيد الحب، لكنها الذاكرة. ولأنها بيروت المدينة التي بقدر ارتباطها بالموت فإنها ترتبط بالحب. ألم تمنحنا كل تلك الأغنيات بصوت فيروز؟ ألم يستطع الأخوان رحباني أن يمشهدا لنا الحب ويرسمان صوراً متعددة له: "وهديتني وردة... فرجيتا لصحابي، خبيتا بكتابي، زرعتا ع المخدة! هديتك مزهرية، لا كنت تداريها ولا تعتني فيها، تضاعت الهدية!" وجعلا الكذب مباحاً في الحب: "تعا ولا تجي، واكذب عليي، الكذبه مش خطية، أوعدني إنو راح تجي وتعا ولا تجي!". لذلك تخصيص يوم للحب لن يكون مجدياً إذ سرعان ما ستتكون ذكريات أخرى وتحوله ليوم مهموم واستهلاكي أقرب للرعب، والحب يحتاج قدر الإمكان أن نوزعه على أيام السنة، وتحويله من دباديب وألماس إلى فعل يومي يخص الحياة اليومية. إذ أننا لن نستطيع حب شخص بعينه ما لم نحب الحياة... أو العكس. ألم تختزل الست ذلك بـ: "وقابلتك إنت لقيتك بتغير كل حياتي.. ما اعرفش إزاي حبيتك.. معرفش إزاي!" من أجل ذلك أرى أن نحاول الابتعاد عن الصيغ الكليشيهية للحب.
الروائية والإعلامية المصرية صفاء النجار:
أؤمن بأن الشعور بالحب شيء قدري، وأؤمن بالحب أو الانجذاب من النظرة الأولى، لكنّ تحويل هذا الشعور الخاطف اللاواعي إلى علاقة مستمرة واعية يحتاج إلى حكمة وإيمان بهذا الحب وقدرة على التغلب على كل الصعاب الحياتية.
أي عيد هو فرصة طيبة لنشر البهجة والفرح... ونحن نحتاج إلى عشرات الأعياد وليس إلى عيد أو عيدين لنشر السرور والمشاعر الطيبة بين الناس.
وكثيراً ما يكون تحديد أيام معينة للاحتفالات فرصة للتواصل، كأنها محطة نركن إليها كي نأخذ هدنة أو راحة من ماراثون المشاغل اليومية .
في عيد الحب المصري والعالمي أتبادل مع زوجي وابنتي الزهور والشوكولاته. لكن للأسف الاستمرار في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي يفقد المرء القدرة على الانفراد بنفسه، فتقل قدرته على التأمل واستبطان مشاعره تجاه نفسه وتجاه المحيطين به، ويصبح كل مايعتري الإنسان من مشاعر مجرد دفقات شعورية ضحلة ولحظية وهشة، لاتصمد أمام التجربة .
ربما تلك الوسائل جعلت التواصل بين المحبين أسهل، أسرع، فساهم ذلك في سهولة أو نمو "التعبير عن الحب" وليس نمو "الحب" ، وربما يؤدي ذلك إلى توثيق العلاقة بين المحبين وفي الوقت ذاته قد تضر "الحب" إذا كانت العلاقة بسبب سرعة التعبير عن الانفعالات الشعورية من الثورة والغضب والغيرة، وبالتالي كثرة الخلافات بين المحبين و تراجع الحب الحقيقي.
الشاعر السعودي عبد الرحمن الشهري:
يفترض بالحب أن يكون في كل الأوقات. عيده هو حضور أحد في قلب آخر واهتمامه به، وحرصه على كل صغيرة وكبيرة من شؤونه، وهناك أشخاص لا يستطيعون العيش بدونه طوال العام وأنا منهم. فلا يمكن أن تكون محباً، وحبيبك آخر اهتماماتك. ولكن ربما لعيد الحب زخم ليس لغيره، حيث يجعل محبين كثراً، يعيشونه بحال من الكثافة التي تسم هذا اليوم، ويتم تبادل الهدايا، والإعلان عن الحب بصوت عال.
وقد يحضر في بعض كتاباتنا على هيئة نصوص، وهي التجلي الأجمل لهذا الشعور السامي. وكل علاقة فطرية بين اثنين، هي مبنية على المودة والرحمة والتعامل الإنساني اليومي، وكلها تندرج تحت عنوان كبير هو الحب. وأعتقد أن وسائل التواصل صعدت من حضوره، ولفتت أنظار أجيال لم تكن تعبر عنه، إلى معايدة أحبابها، كنوع من العدوى الحميدة.
الكاتبة المصرية عزة سلطان:
الحب ذاك السحر الذي يمرّ على أحدنا فيغيره من حال إلى حال، الحب هو مفكِّك المشاكل ومزيل الخلافات، ستبدو كلمات الحب دوماً أثراً باقياً طالما تحصن بمسافة آمنة تدفع عنه الشوائب وزيف الضجيج والممارسات الظاهرية التي تعتني بالشكل دون الجوهر والمضمون، لكننا لا نستطيع أن نعزله عن التغيرات الاجتماعية التي تعصف بكثير من القيم والمشاعر، وتحولها لمظهر وسلوك يعتد بما يراه الناس، وبأحكام استباقية.
لا مناسبة للحب ولا عيد له، فالحب ذاته هو العيد، أما ما ظهر بوصفه عيداً للحب فهو أحد الأنماط الاستهلاكية التي تخلق سلعاً وسوقاً ومستهلكين، ويستدعي نوعاً من الهدايا، كما أن الاحتفال به أصبح ممارسة تؤكد الحب عند بعضهم، بعيداً من الأفعال الحقيقية التي تدعم الحب كشعور يدفع الإنسان للايجابية ورؤية العالم بصورة أجمل.
بالنسبة لي الحب هو الاستثمار الأبقى، هو الشيء الوحيد الذي إن تقاسمته زاد وحصدت ثماره طيلة الوقت، الحب بكل تنويعاته منهج حياة.
الروائي العراقي زهير كريم:
من أكثر الطروحات أهمية في رأيي هو وضع الحب في دائرة تتعلق بالصحة، صحة الجسد والنفس بالطبع. أن نحصل على الحب، أن نعيشه، أن نكشف أسراره، يعني أننا في منطقة نقية من وجودنا، تنطوي على طمأنينة تخلو من الألم. بالطبع، هناك طروحات ذات طابع روحي، كالتجربة الصوفية مثلًا.
لهذا، لا يبدو تخصيص يوم للحب سوى تذكير بأهميته. الحب هو الصحة التي نحتاجها كل يوم، ولا يمكن إغفال الصرامة والبرود في الحب طوال أيام السنة، ثم نحتفي بيوم واحد فقط للحب!
في المنتج الأدبي كذلك، سواء في الشعر أو الرواية، تتصدى المشاهد العاطفية للشخصيات، والتأملات الشعرية، وتجارب السيرة، للحب بوصفه ثيمة أساسية. ومن الطبيعي أن يشغل الحب مساحة كبيرة من حركة الكتابة والفن، فهو العلامة الأكثر وضوحاً على كوننا بشراً نستطيع معالجة حالاتنا العاطفية والتعبير عنها.
بالنسبة اليّ، لست مهتماً كثيراً بحفلات الحماسة، فهي أشياء مبالغ فيها في استقبال مثل هذا العيد. أكتفي بزهرة وقبلة لزوجتي، وهكذا أستطيع أن أرسل خطابًا ينطوي على أمل في أن تستمر الحياة بشكل جميل.
لكن الحب، عندما يدخل منطقة التخييل— الأدب والفن، السينما مثلاً— يتحول إلى حالة حلمية، متعالية ربما، أكثر من كونه واقعاً. هناك شروط وإكراهات في الواقع، وهناك بالمقابل حلم في الفن. هذا كل شيء.
الشاعرة السورية ريما خضر:
لا أذكر تماماً منذ متى بدأت البلاد العربية تحتفي بعيد الحب الذي أُسقط معناها المعرفي هنا على "العشاق" وكأن العاشق لا يذكر وردته الحمراء المنسية خلال عام كامل إلا في يوم الرابع عشر من شباط/ فبراير، متناسين أن العشاق في كل أيامهم دمهم ينبض بالحب.
الحب كمفردة إذا وضعناها تحت المجهر ليست عينة تشريحية كمادة مجردة نختبرها ونضع لها القيم والبيانات الخاصة بها، بل هي تسمو فوق الاختبارات وتنضج وتتبلور مع الزمن وتقيمها المواقف واحترام المشاعر.
وفي الشعر العربي ومنذ الجاهلية عبّر الشعراء، عن الحب في قصائدهم ومعلقاتهم. فالحب موجود منذ الأزل وربما أناسه عبروا عنه بطرق مختلفة، منهم من خاض حروبا لأجل حبيبة مثل هيلانة التي سببت حرب طروادة، وهناك الحب لأجل الحب، أو كما يقول مولانا جلال الدين الرومي: "الحب ليس تعويضاً عن النقص، الحب هو شبع الروح".
لكن مع الأسف تطور المفهوم وتجرد من معناه الروحي فصار مجرد كلمات واستغلال في كثير من الأحيان للشكل والقشور تاركين الجوهر ولعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً سلبياً في انتهاك حرمة القلب.