«أخي، الجهاد، داعش وأنا» : قصة فاطمة المفجعة والملهمة

ثقافة 12-02-2025 | 09:30

«أخي، الجهاد، داعش وأنا» : قصة فاطمة المفجعة والملهمة

"أخي، الجهاد، داعش وأنا" شهادة مؤثرة. تقدّم نظرة حقيقيةً حول التكلفة البشرية للتطرف.
«أخي، الجهاد، داعش وأنا» : قصة فاطمة المفجعة والملهمة
صورة تعبيرية
Smaller Bigger

في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، قتلت طائرة أميركية من دون طيار قيادياً رفيع المستوى في تنظيم "الدولة الإسلامية"، وسط مدينة الرقة السورية، ليتكشف في ما بعد أنه الفرنسي من أصل تونسي أبو بكر الحكيم.

هرب الحكيم من فرنسا إلى سوريا مروراً بتونس حيث عاش فترةً قصيرةً بعد الثورة، وساهم خلالها في عمليات اغتيال استهدفت كلاً من القياديين في الجبهة الشعبية اليسارية، شكري بلعيد ومحمد البراهمي، في 2013. وقبلها، خاض الحرب في صفوف تنظيم "القاعدة" في العراق في مواجهة القوات الأميركية، حيث قتل شقيقه رضوان في مدينة الفلوجة عام 2004.

ولا يزال علي، شقيقه الثالث، محتجزا في سوريا حيث يواجه عقوبة الإعدام. وحكم على شقيقته ياسمينة بالسجن 4 سنوات، منها 18 شهراً منذ عودتها من سوريا مع ابنتها.

في كتابها الذي سردته على الصحفية ومؤلفة الأفلام الوثائقية الاستقصائية، ماغالي سيري، تعود فاطمة الحكيم شقيقة أبو بكر لتروي هذه المأساة العائلية، وكيف تحوّلت حياتها إلى جحيم منذ أن ترسّب إلى بيتهم في الدائرة الباريسية التاسعة عشرة الفكر السلفي الجهادي على يد دعاةٍ وشيوخٍ اتخذوا من فرنسا منفى لهم منذ تسعينيات القرن الماضي. 
"أخي، الجهاد، داعش وأنا" شهادة مؤثرة، تقدّم نظرة حقيقيةً حول التكلفة البشرية للتطرف. إن ضعف فاطمة وصدقها يجعلان قصتها لا تُنسى.

تعيش فاطمة في سكن اجتماعي متواضعٍ مع زوجٍ وثلاثة أطفال، ودخلٍ بسيط، فهي تقوم بأعمال صغيرة مختلفة لإعالة أسرتها. وذكرى أخٍ سلفيّ جهاديّ يُنظر إليه من قبل أجهزة مكافحة الإرهاب كأكبر كادر فرنسي في داعش في سوريا حتى موته، تلاحقها حيث ما ذهبت.

تصور هذه الشهادة بصدق التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها الراوية، فضلاً عن التوترات الثقافية والدينية التي تميّز حياتها، متتبعةً رحلتها ورحلة عائلتها، من طفولتها حتى تشتت أركان العائلة، بما في ذلك العلامات التحذيرية التي لم تتمكّن من تفسيرها في الوقت المناسب. تعبّر فاطمة على امتداد الكتاب عن شعورها بالذنب وعجزها أمام تحوّل شقيقها. وهي تحلل العوامل التي قد تكون ساهمت في انحرافه، كالشعور بالإقصاء، والبحث عن الهوية، والمؤثرات الخارجية وخطاب الكراهية. القصة مليئة بالتأمّلات حول مسؤولية الأسرة، ومنع التطرف ودور المجتمع في دمج الشباب من خلفيات مهاجرة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تظهر بصمة ماغالي سيري، بوصفها صحافيةً اشتغلت لسنواتٍ على تحليل وتتبع الشبكات الجهادية، لاسيّما شبكة أبو بكر الحكيم، وأصدرت حولها فيلماً وثائقياً، إذ أعطت للقصة بعدًا صحفيًا، بفضل تحليل معمّق لآليات التلقين في داخل الشبكات الجهادية، كما أن الأسلوب السردي والتحليلي، الذي يمزج ما بين الحكايات الشخصية والمعلومات،  يسمح للقارئ بفهم القضايا المعقّدة المتعلّقة بالتطرف، مع التركيز على الرحلة الفردية لفاطمة وشقيقها، لا سيّما أن استخدام السرد بضمير المتكلم يضيف حميمية وفورية إلى القصة.

كذلك يتضمّن الكتاب تأمّلات حول القضايا المعاصرة، مثل صعود داعش وتحديات مكافحة التطرف، مما يوفر سياقًا للقصة.

وبشكل غير مباشرٍ تسلّط قصة فاطمة الضوء على تحدّيات التنقل ما بين الهويات المتعددة - الدينية والثقافية والوطنية. وباعتبارها مسلمة فرنسية من أصل مهاجر، فإنها تتصارع مع مسائل الانتماء والقبول في مجتمع غالبًا ما يتّسم بالتحيّز والتمييز، وكذلك بالتقاطع بين الدين والتطرف، حيث تميز فاطمة ما بين التعاليم السلمية للإسلام والتفسيرات المشوّهة المستخدمة لتبرير العنف. 
وعلى الرغم من الصدمة والخسارة التي أصابتها، تبرز كفرد مرن ومتمكّن. وعلى الرغم من ثقل الموضوع، ينقل الكتاب في النهاية رسالة أمل للذين عاشوا مثل هذه التجربة، أو الذين هم في صدد عيشها. فهو مساهمة غير نظرية في الخطاب حول التطرّف والتشدد. ومن خلال الشجاعة في مشاركة قصتها الشخصية، تعمل فاطمة على إضفاء طابع إنساني على قضية غالبا ما تتم مناقشتها بشكل مجرّد أو سياسيّ. كذلك يشجع الكتاب القراءَ على النظر إلى ما هو أبعد من الصور النمطية والنظر في حياة الأفراد المتضرّرين من التطرف، الذين ليسوا فقط ضحايا الأعمال الإرهابية بل أيضاً من المقرّبين من الذين يرتكبون هذه الأعمال. قصة فاطمة مفجعة وملهمة في نفس الوقت، لكنها تسلّط الضوء على تعقيدات الهوية والإيمان والأسرة. 

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 11/20/2025 10:55:00 PM
الجديد في القرار أنه سيتيح للمستفيد من التعميم 158 الحصول على 800 دولار نقداً إضافة إلى 200 دولار عبر بطاقة الائتمان...
لبنان 11/20/2025 4:27:00 PM
نوح زعيتر ينحدر من قرية (الكنيسة) في أقصى البقاع الشمالي اللبناني المحاذي لسوريا، ويحيط نفسه بحماية مشددة، وهو مطلوب للإنتربول الدولي.  
لبنان 11/20/2025 5:35:00 PM
الحادثة وقعت خلال وجود أولاد الزوجين في المدرسة، الذين صُدموا لدى عودتهم بالمشهد المؤلم في داخل المنزل