"هوبال"... عزلة الصحراء إبان حرب الخليج

ثقافة 18-02-2025 | 08:40

"هوبال"... عزلة الصحراء إبان حرب الخليج

الاختبار الأكبر لأحكام الشيخ ليام يكون ماثلاً لدى ريفه (أمل سامي) ابنة شنار وسارة (ميلا الزهراني)، وإصابتها بالحصبة، وعزلها في خيمتها، لا أحد يتواصل معها سوى أمها وبمنتهى الحذر.
"هوبال"... عزلة الصحراء إبان حرب الخليج
من فيلم هوبال
Smaller Bigger

نحن في الصحراء، ولا شيء سوى الرمال والأرض الجرداء والأفق اللا متناهي، ووسط مساحتها المترامية ثمة رقعة صغيرة يشغلها عدد قليل من البشر، عائلة من رجال ونساء وأطفال. بضع خيام ومجلس، قطيع إبل وماعز، صهريج مياه وبضع سيارات، وأدوات بسيطة لمستلزمات الحياة الأساسية.

 

تلك هي البيئة التي يتأسّس عليها الفيلم السعودي "هوبال" (إخراج عبد العزيز الشلاحي، وسيناريو مفرج المجفل)، ولا يكون الخروج منها إلا وجيزاً، كاتصال مع العالم المحيط، كلحظة استثنائية، في غياب الأب أو شيخ العشيرة ليام (إبراهيم الحساوي) الذي قرّر العيش في عزلة تامة عن كل ما يمتّ إلى التمدّن بصلة، موقفاً الزمن، متوحّداً مع الصحراء والسماء والنجوم، وقطعان إبله، عابداً ربه، على شيء من التصوّف والزهد، واجداً أي شيء خارج البيئة السالفة الذكر شراً، مساحة تستدعي الريبة والشك، أو بكلماته "الديرة حرام".

 

حرية شخصية تتحكّم بالجميع

لموقف ليان ونمط عيشه أن يكون حرية شخصية، خياراً اتخذه وهو من يتحمل تبعاته، إلا أنه لن يكون كذلك، ما دام أنه فرضه على كل من حوله من أبنائه الثلاثة، وزوجاتهم وزوجته وأولادهم وأحفاده، وكل من يمضي إلى الديرة أو المدينة تحل عليه لعناته ويتبرأ منه ولا تعود تربطه صلة به، كما هي الحال مع الابن الذي يظهر بلباس عسكري وقد هجر تلك الحياة، فلا يقبل باستقباله لا هو ولا أي فرد من عائلته!

 

مع فرض الأب ما يراه صواباً ومتناسباً مع أفكاره وإنغلاقه، تحضر سلطته البطريركية، سطوته، وبالتالي تتشكل سلوكيات من حوله وفقاً لهذا العسف، وتتخذ الحياة في ظله إزدواجية وتناقضاً بين أفراد عائلته، وتحديداً ابنيه شنار (مشعل المطيري) وبتّال (حمدي الفريدي)، فالأول يعيش حياتين، علنية وسرية، بينما الآخر فمغلوب على أمره، يجد في التبغ مساحة خاصة به، يمضغه أو يمتصه بعيداً عن أعين من حوله، والذي على ما يبدو محرّم من الأب.

الحصبة والحب

الاختبار الأكبر لأحكام الشيخ ليام يكون ماثلاً لدى ريفه (أمل سامي) ابنة شنار وسارة (ميلا الزهراني)، وإصابتها بالحصبة، وعزلها في خيمتها، لا أحد يتواصل معها سوى أمها وبمنتهى الحذر، وأمام توسلات أمها لزوجها غير المبالي واستعدادها لفعل أي شيء لكي تأخذها إلى المستشفى في الديرة، يبقى منع الشيخ ليام سارياً، حتى إن أودى ذلك بحياة الفتاة.

 

وحده الفتى عسّاف (حمد الفرحان)، حفيد ليام يتيم الأب والأم، والذي يحظى باهتمام خاص من جده، يكسر الحصار المضروب على ريفه، ويتبادل معها الحديث من خلف خيمتها، وليكون هو الوحيد أيضاً المستعد لإنقاذها، مشكّلاً في هذا السياق الخط الدرامي الأجمل في الفيلم، ونحن نعايش قصة حب بريء تنشأ بينه وبين ريفه، هو الذي ستنتقل إليه إصابة الحصبة بعد أن ينجح في أخذها إلى العيادة في البلدة أثناء غيبة جده، ضارباً عرض الحائط بكل شيء، وله أن يكون إلى جانب الأم سارة الشخصيتان الإيجابيتين في الفيلم.

 

 

شخصيات

عسّاف يمتلك ناصية الفعل ورد الفعل، وكذلك تكون سارة، وتفعل ما فعله مع ابنتها، بغض النظر عن النتيجة، بينما تكون غالبية الشخصيات الأخرى سلبية، معطلة، مستكينة، لا هي في وارد الفعل ولا رد الفعل، ولها أن تدور في فلك الأب، مثلما هي الحال مع بتّال أو حتى شنار وإن بدا ظاهرياً كذلك،  وصولاً إلى أخيهما الثالث نهار (عبد الرحمن عبدالله) الصامت، الملازم لحادثة أليمة في الماضي، تتضح ملابساتها على نحو سريع خاطف، حين يلاحق عساف وهو ينقذ ريفه.

 

سرعان ما تتكشف علاقة شنار وبتال عن صراع خفي، إذ يكون الأول متزوجاً بإمرأة أخرى ولديه أولاد منها، فهو لديه حياته السرية الخاصة في "الديرة"، ولتكون تلك المرأة هي التي أحبها بتال ولم يقبل والدها تزويجها له.

 

سيغيب ليان، ولعل غيبته في الصحراء ستفتح الباب أمام حدوث كل ما تقدّم، فهو غياب لمن يفرض سطوته على الجميع، وموصد الأبواب أمام العالم الخارجي، ولعلها أيضاً غيبة تحمل مجازاتها، تفضي إلى أن على الحياة أن تتواصل بعيداً من إنغلاقه!

 

البيئة وحرب الخليج

يستثمر فيلم "هوبال" في البيئة، ويراهن على خصوصيتها، وهذا ليس بجديد على عبد العزيز الشلاحي، الذي سبق أن قدم في فيلم "حد الطار" قصة حب تجمع ابن سيّاف (ينفذ الأحكام بحدّ السيف) وابنة مغنية أفراح أو "طقاقة"، وليكون الفيلم، بمجرد إيراد توصيف شخصيتيه الرئيستين معبراً إلى عالم خاص جداً. 

 

في "هوبال" (معنى هذه الكلمة هو النداء الذي تنادى به الإبل)، يتخذ خصوصيته في استيفائه العناصر البيئية، وصولاً إلى اللهجة، وهو يقدّم قصة مصاغة بعناية، تشوش عليها بشكل أو آخر شخصيات ثانوية تحدث تشتيتاً للحكاية بشكل أو آخر، فالقصة الرئيسة متصلة بالحصبة واصطدامها بسلطة الأب أو الجد، وهي ماثلة لدى الشخصيات الإيجابية الفاعلة كما هي شخصيات ليام وعسّاف وسارة، وصولاً إلى شنّار كنقيض لسارة أو البطل المضاد (الشرير)، وإن اقتصر دوره على قبول كل شيء من أبيه في العلن فقط، وعدا ذلك فثمة شخصيات زائدة ممكن لأدوارها أن تدمج بشخصيات أخرى، لا بل إن استدراك ما حصل في الماضي بالنسبة الى والدي عساف وارتباطه بنهار أمر يستدعي التوقف كثيراً، وهو شخصية معطّلة تماماً، بالكاد تظهر ولا نعرف عنها شيئاً! لماذا لا يكون شنار الفاعل فتمسي شخصية شريرة بحق؟ لماذا لا تكون سارة هي من تقود السيارة، الفعل المتناغم مع شخصيتها، وليست سيتا (ريم الفهد) التي تظهر في بضعة مشاهد؟

 

تجدر الإشارة إلى أن أحداث "هوبال" تجري إبان حرب الخليج الأولى عام 1990، والتي تتكشف لنا مع هرب عساف إلى الديرة، وليبقى السؤال هل في هذه الحرب وغزو صدام حسين الكويت ما كان يستشرفه ليام من شر خارج نطاق مضارب خيامه وصحرائه؟ ربما!

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/6/2025 12:01:00 AM
لافتات في ذكرى سقوط نظام الأسد تُلصق على أسوار مقام السيدة رقية بدمشق وتثير جدلاً واسعاً.
المشرق-العربي 12/6/2025 1:17:00 PM
يظهر في أحد التسجيلات حديث للأسد مع الشبل يقول فيه إنّه "لا يشعر بشيء" عند رؤية صوره المنتشرة في شوارع المدن السورية.
منبر 12/5/2025 1:36:00 PM
أخاطب في كتابي هذا سعادة حاكم مصرف لبنان الجديد، السيد كريم سعيد، باحترام وموضوعية، متوخياً شرحاً وتفسيراً موضوعياً وقانونياً حول الأمور الآتية التي بقي فيها القديم على قدمه، ولم يبدل فيها سعادة الحاكم الجديد، بل لا زالت سارية المفعول تصنيفاً، وتعاميم.
ايران 12/4/2025 7:49:00 PM
واشنطن ترصد 10 ملايين دولار للإبلاغ عن الخبيرة الإلكترونية الإيرانية فاطمة صديقيان المتهمة بهجمات سيبرانية على بنى تحتية أميركية