واقع المدن ومستقبلها!

ثقافة 31-01-2025 | 22:53

واقع المدن ومستقبلها!

التمدين من أكثر الظواهر المميزة في عالم اليوم حيث يعيش معظم سكان العالم حاليا في مناطق مدينية، ففي عام 1950 كان 30 في المئة فقط يعيشون في مناطق مدينية، وقد ارتفعت هذه النسبة الى 55 في المئة في عام 2018 ويتوقع بلوغها 60 في المئة في عام 2030. 
واقع المدن ومستقبلها!
لوحة لمحمد عبلة
Smaller Bigger

التمدين من أكثر الظواهر المميزة في عالم اليوم حيث يعيش معظم سكان العالم حاليا في مناطق مدينية، ففي عام 1950 كان 30 في المئة فقط يعيشون في مناطق مدينية، وقد ارتفعت هذه النسبة الى 55 في المئة في عام 2018 ويتوقع بلوغها 60 في المئة في عام 2030. 
أما في المنطقة العربية حيث معدلات النمو الديمغرافي تفوق بمرتين أو ثلاث مرات معدلات البلدان الغربية، فمن المتوقع أن يعيش 62,3 في المئة من السكان في المدن بحلول عام 2030 بعد أن كانت هذه النسبة 25,3 في المئة في عام 1950. 
هذه الأرقام التي أوردتها الخبيرة الدولية في استراتيجيات السكان والتنمية حلا نوفل في "المدن العربية بين العراقة والاستدامة "مجموعة من الباحثين، أفق، مؤسسة الفكر العربي، تعبر عن الزلزال الديموغرافي الذي أصاب المدن العربية منذ النصف الثاني من القرن الماضي، وتستدعي البحث والدراسة من نواح عدة: سوسيولوجية وديموغرافية وأنتروبولوجية وعمرانية وتنموية وبيئية... 
كما تتطلب في الوقت نفسه مدّ هذه المدن بعناصر الاستدامة وتوفير الأنظمة والبنى العصرية لسكانها وصون ذاكرتها والمحافظة على تراثها وأحيائه.
 يتألف الكتاب من أربعة محاور: يعرفنا المحور الأول بمدن تختزن تاريخا عريقا يشكل علامة فارقة في الحضور العربي والاسلامي، سواء في الشرق أو في الغرب، وقد تم اختيارها كنماذج لمجموعة كبيرة من مدن عربية قديمة لا تزال حتى اليوم محافظة على شخصيتها المميزة.
 فالقدس نموذج للمدينة العربية المهددة بفقدان هويتها، ولكنها في الوقت نفسه مثال للمدينة المقاومة، المصممة على صون ذاكرتها والحفاظ على هويتها.
ومراكش والقيروان نموذج للمواءمة بين الهوية التراثية والهوية الحديثة المطعمة بمنجزات الحضارة الغربية ، وباليرمو نموذج لعشرات المدن التي أسسها العرب في الغرب ولا تزال شاهدة على ثقافة أصيلة وحضارة راقية وانجازات مضيئة. 
 في هذا السياق يحكي محمد غوشه عن مدينة القدس وأسوارها الثلاثة عبر العصور ويطلعنا على تاريخ أبوابها ونقوشها التأسيسية، باب العمود وباب الخليل وباب النبي داوود، وما طرأ على هذه المدينة ومحاصرتها بعد حرب حزيران 1967، من محاولات تهويد لم تفلح في محو خصوصيتها التاريخية . 
 وينقلنا حسونة المصباحي الى مراكش المغربية التي حفظت طرازها المعماري ومعالمها السحرية الخارقة ، بأسواقها القديمة وغيرها من معالم الأزمنة الغابرة وشخصياتها التاريخية وأساطيرها وحكاياتها . 
 ويستعيد المصباحي المعالم القديمة لمدينة القيروان التونسية وأمجادها القديمة بأضرحتها وأساطيرها وأسوقها وزواريبها التي فتنت الكاتب الفرنسي "غي دو موباسان "والشاعر الألماني "ريلكه "، ولكنها اليوم تتصدر قائمة المدن الأكثر فقرا والأعلى نسبة في الجريمة والانتحار.

 وتناولت "ناديا لانزون " مدينة باليرمو التي أسسها العرب في الغرب ، وعرفت كيف تحافظ على العديد من شواهدها المعمارية العربية - الاسلامية وما تختزنه من هوية تاريخية وجمالية وحضارية.
 ورصد مسعود ضاهر الطابع الكوسموبولوتي الذي ميّز مدنا عربية منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين ، حيث اجتمعت في مدن كوسموبوليتية عربية مثل الاسكندرية وبيروت والدار البيضاء وحلب ، جاليات وثقافات ولغات مختلفة طبعت مسارها الاجتماعي جاعلة منها حواضر ثقافية وابداعية وعالمية بامتياز . 
 وتناول زهير هواري مدينة بيروت وما شكلته الحروب من تهديد مباشر لهويتها التاريخية. حوّل قلبها الى قلعة للأثرياء، لا علاقة لها بمحيطها.
 واختار عبد الرحمان شفيق الدار البيضاء ، كأنموذج عن مدن عربية افتقرت الى الدور الفعال في تصميم المدن والى الحد الأدنى من التعايش بين فقرائها وأغنيائها. 
 أما حلا نوفل فقد عرضت للنمو المديني والهجرة الداخلية في المنطقة العربية ، وركزت على النمو المديني السريع والهجرة الداخلية التي انطلقت منذ منتصف القرن الماضي ، حيث جاءت وتيرة التمدين أسرع بمرتين الى خمس مرات مما كانت عليه أثناء التطور الصناعي لأوروبا. 

 

طرح الكتاب مستقبل المدينة في العالم العربي فرأى أسامة الصايغ أن انشاء المدن الذكية لم يعد ترفا أو خيارا بل مطلبا أساسيا لنمو المناطق الحضارية ومدى توافر الخدمات السريعة والفعالة في التسوق والرعاية الصحية والتعليم وإدارة المرافق. فيما طرح أيضا العلاقة العضوية التي ربطت بين المدينة العربية والمخيال الروائي باعتبار أن العناصر البنيوية للرواية، بشكلها الفني والأدبي الحديث لم تكتمل الا مع التطور الحضاري للمدن. 
 وفي رأي فيصل دراج أن ثمة بعدا سلطويا لا يمكن تهميشه في قراءةالرواية العربية المشرقية شكلا ومضمونا حيث قرأ جبرا ابراهيم جبرا القدس بلغة مجازية، وأدرج روائيون حرب القدس في أعمالهم مدفوعين برمزيتها الواسعة وبالتهديد الذي يترصد حاضرها ومستقبلها معاً. 
 في رؤية ختامية نرى أن الكتاب قدم اضاءات فعلية على المدن العربية من النواحي التاريخية والديمغرافية والبيئية والاقتصادية وما يترصدها من أخطار مستقبلية، لكنّ مقاربته للبعد السياسي في التحولات الاجتماعية والديمغرافية المتمثلة في ترييف المدن العربية وعلاقته بصعود الدولة التسلطية والانقلابية في العالم العربي ظل محدودا وهامشيا رغم ما لهذا من دور أساسي ومركزي.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/15/2025 3:17:00 PM
طائرة مستأجرة تضم فلسطينيين تختفي عن الأنظار ثم تهبط فجأة في جوهانسبرغ بظروف غامضة.
النهار تتحقق 11/15/2025 9:19:00 AM
"تقول السلطات إن الأمر كله مرتبط برجل واحد متهم...". ماذا عرفنا عن هذا الموضوع؟  
لبنان 11/15/2025 11:45:00 AM
وثّقت الحادثة كاميرا المراقبة، فيما لاذ المعتدي  بالفرار