الوكيلة الأدبية الأشهر عالمياً... كارمن بالسيز "بائعة الكلمات"
اعتادت الإشارة إلى نفسها بأنها "بائعة كلمات"، أو "امرأة من ورق". تلك هي كارمن بالسيز (1930 –2015)، بحسب سيرتها الواردة في كتاب "الوكيلة الأدبية الأشهر" للكاتبة الإسبانية كارمي رييرا Carme Riera، صدر بالعربية عن دار العربي في القاهرة، بترجمة أنجزتها تقى علاء الدين. ويدين كثير من كتاب إسبانيا وأميركا اللاتينية بالفضل لهذه الوكيلة الأدبية الاستثنائية.
إيزابيل الليندي مثلا وصفتها في كتابها "نساء روحي" (بترجمة مارك جمال – دار الآداب-بيروت) بأنها "من أولئك النساء العصيَّات على النسيان اللاتي ساعدنني على المضي قدماً في درب الحياة. أنا مدينة لها بما حققتُ في مهنة الكتابة، منذ أن نشرت لي روايتي الأولى "بيت الأرواح" عام 1982".
رييرا هي أديبة وأستاذة جامعية واختيرت في 2012 لتصبح عضوًا في الأكاديمية الملكية الإسبانية وترأستها لاحقًا. وبحسب ما ورد على ظهر غلاف الترجمة العربية، فإن كتاب رييرا يعد أول سيرة موثَّقة لكارمن بالسيز؛ "التي تميَّزت بمزيج من الموهبة والذكاء والطموح حتى أصبحت وكالتها ممثلًا عالمياً للأدب الإسباني واللاتيني، ومساهمة أساسية في فوز عدد من موكليها بجائزة نوبل للآداب، ومنهم غابرييل غارسيا ماركيز وماريو بارغاس يوسا". وتعتبر رييرا من أهم موكلي كارمن بالسيز، وربطتهما صداقة حميمة لنحو ثلاثين عاماً.

صداقة مع ماركيز
تقول رييرا: "كانت بالسيز تحرص على أن تربطها صداقة قوية بموكليها. كانت تعد لهم وجبات الغداء والعشاء اللذيذة والتي تشمل الأطباق المفضلة لكل منهم". وتضيف: "أعتقد أنه لا يوجد أي وكيل دافع مثلها عن كُتّابه بحزم"، ولذلك فإنها "كانت تتولى كل شيء بنفسها ولا تسمح لأدق التفاصيل بأن تفلت منها".
وتقول رييرا مقدمة الكتاب: "إن الكتابة عن شخص ما تحوَّل إلى بطل، ليست بالأمر اليسير، ناهيك عن الكتابة عن شخص كان يعتبر أسطورة في حياته، نظراً لدافع الانجراف في تقديس سيرته الشخصية مثل القديسين، الأمر الذي بالطبع حاولتُ تجنبه. تحلت كارمن بالعديد من الخصال الحسنة وقليل من العيوب، رغم أن بعض الناس أحبَّت هذه العيوب بشدة، فمن المعروف أن علينا أن نتقبل العباقرة كما هم وهكذا كانت علاقتي بكارمن".
تمكَّنت كارمي رييرا التي عملت على هذا الكتاب لسنوات طويلة من الوصول إلى أرشيف وكالة بالسيز وأجرت مقابلات مع عائلتها وأصدقائها، والمؤلفين والمحررين والوكلاء. جمعت شهاداتهم ورواياتهم عنها، لترسم "صورة رائعة لشخصية محبوبة ومثيرة للفضول كونها إحدى أهم الشخصيات في الثقافة الإسبانية والعالمية في السبعين عاماً الأخيرة".
وتقول في هذا السياق: تمتعت بالسيز بمزايا رائعة، لولاها ما وصلت إليه. كانت تتسم بخصلة مهمة تتطابق فيها مع بيكاسو، وهي القدرة على جذب الآخرين واستيعابهم". وتضيف: كان ماركيز، مثلًا، يمثل نسبة 36 % من مبيعات الوكالة فقط، لكنه كان أكثر أهمية من ذلك، كان بمثابة المرآة التي كثيراً ما تنظر كارمن فيها إلى نفسها. لو لم تمثله كارمن وتجمعهما هذه العلاقة الوطيدة (منذ 1965) لتغيَّر أسلوبها. من جانب آخر هو أيضاً كان ليصبح شخصاً آخر من دونها". ص 13. ومعروف أن بالسيز رثت ماركيز عقب وفاته في العام 2014 بمقال قصير في جريدة لا بانغوارديا"، جاء فيه: "أشعر بالامتنان؛ لأن الحياة قد أتاحت لي أن أعشق ذلك الرجل".

دموع كارمن
تؤكد رييرا أن كتابها هذا هو حصيلة أكثر من خمس سنوات من العمل في قارتين، وتوجهت بالشكر في هذا الصدد لكثيرين ساعدوها على إتمام عملها هذا، ومنهم لويس ميكيل بالوماريس، وهو ابن بالسيز، مشيرة إلى أنه أتاح لها الاطلاع على ملفات والدته الشخصية، المحفوظة في أكثر من مئة صندوق.
وفي موضع آخر من الكتاب لاحظت رييرا أنه لا يوجد في العالم كله وكيل، ولا حتى كاتب أو ناشر، أهديت إليه ذلك الكم من الكتب؛ 21 كتاباً بين عامي 1985 و2013 بأربع لغات: الإسبانية، الإيطالية، البرتغالية والكتالونية. أولها كان للكاتبة وعالمة الفلك الإيطالية ليزا موربورغو وهو كتاب "دروس الفلك... طبيعة الكواكب" فكتبت: "إلى العزيزة كارمن بالسيز، رفيقة رحلتي لاستكشاف الكواكب".
وآخرها بقلم كارلوس فوينتس في مستهل كتاب له صدر عام 2013: "إلى كارمن، بلا دموع"، وقد حاكى فيه بطريقة ما إهداء ماركيز لها في رواية "عن الحب وشياطين أخرى (1994): "إلى كارمن، التي تغمرها الدموع"، في إشارة إلى أنه كثيراً ما رآها وهي تبكي. أهداها ماريو بارغاس يوسا في روايته "الفردوس على الناصية الأخرى" ما يلي: "إلى كارمن بالسيز، صديقتي مدى الحياة".

يكفي اسمها
ورأى مؤلفون آخرون مثل مارتين غارزو في "دليل لأمهات العالم" (2003)، وآبيل بوسي في "العاطفة وفقاً لإيفا" (1995) أنه لا يمكن إضافة أي شيء إلى اسمها: "إلى كارمن بالسيز".
أضافت إليه روزا ريغاس في "أغنية دوروتيا" (2001) الكتاب الذي فازت به بجائزة "بلانيتا"، ما يلي: "أحبك". واعتبرها غيرالد مارتن من أكثر الشخصيات المذهلة التي قابلها على الإطلاق، ووصفها كذلك بـ"الوكيلة الأدبية الأهم في العالم خلال النصف الثاني من القرن العشرين وخلال الجزء الأول من القرن العشرين" (ص 386).
تقول كارمي رييرا إنها هاتفت بالسيز قبل أسبوع من وفاتها، فوجدتها مفعمة بالحيوية. توفيت كارمن يوم الأحد 30 أيلول /سبتمبر بين التاسعة والعاشرة ليلاً، إثر نوبة قلبية مفاجئة، عن عمر يناهز 85 عاماً.
كارمي رييرا ولدت عام 1948 في بالما دي مايوركا في إسبانيا ودرست علوم اللغة في جامعة برشلونة حيث تخرجت عام 1970 أصبحت بعدها أستاذة في الأدب الإسباني نشر أول كتاب لها وكان مجموعة قصصية عام 1975 تحت عنوان "حكايات أتركها لك يا حبي ليشهد عليها البحر" وحازت جائزة "ركول" وبعده بعامين نشرت روايتها الأولى "ربيع من أجل دومينيكو جواريني" والتي حازت جائزة "برودنتشي بيرترانا" عام 1980. اختيرت في 2012 عضواً في الأكاديمية الملكية الإسبانية والتي ترأستها لاحقاً.
نبض