لين الجردلي
ترسم لك الحياة أحياناً مساراً تفرضه عليك، في العمل وغيره، لم تتوقّعه إطلاقاً. عاش زياد توبة هذا التحوّل الجذري على مرحلتين في مسيرته الفنيّة. بعد تخرّجه دكتوراً في علم الاجتماع، لم يتمكّن من مزاولة المهنة "لأسباب سياسية وطائفية" في وقتها. هذه العقبة دفعته للميل نحو هوايته في الحرف ليؤمّن مصدر عيشه. وجوده في الريف ساعده على التخصّص بالأعمال الخشبيّة - العفش والأدوات المنزلية التي يمكن صنعها بالخشب – وبعدما لاقت أعماله صدى وصار لها "جمهور"، قرّر الانتقال إلى بيروت لفتح معمله ومعرضه الخاص. التحوّل الثاني حدث مع الانهيار اللبناني الاقتصادي والأمني.
يقول زياد لـ"النهار" إنّ انفجار مرفأ بيروت كان آخر دافع له للهجرة. وحزم وزوجته حقائبهما، وبدأا حياة جديدة في مدينة يالاوا في تركيا. في خطّته لحياة الغربة مكانة لمشاريعه الحرفية، وقد أراد لها الاستمرار. غير أنّه انجرف وراء هواية أخرى: صنع الدمى الخشبية (peg dolls).

"من هواية الجمع إلى هواية التصنيع"، هكذا عبّر زياد عن التحوّل العميق في مساره. إحدى هواياته كانت جمع الدمى الخشبية من كلّ بلد يحطّ رحاله فيه. وفي يوم من أيّامه الجديدة في تركيا، قرّر أن يصنعها بنفسه.
ما هي الدمية الخشبية؟
الترجمة الحرفية لـ "peg doll" هو " دمية الوتد"، وفي المعنى الأبسط يُقال "دمية خشبية بسيطة". تُقسم صناعتها إلى قسمين، قسم الخرط وتشكيل الهيكل الخشبي، وقسم التلوين وإعطائها شخصيّة محدّدة.
يعتبر زياد أنّه "كون اللعبة عبارة عن جسم فقط، من دون أطراف أو ملابس أو قطع إضافية، يجعل رسم الشخصيّات أصعب". عليه أن يختار التفاصيل والملامح البارزة في الشخصيّة ليتمكّن من رسمها على المجسّم الخشبي بأبسط طريقة ممكنة. يختار الفنان الشخصيّات المعروفة التي يحبّها وتملك ملامح بارزة، مثل فريدا كالو، شارلي شابلين، فان غوغ، وغيرهم. ولزياد ذوقه الخاص، ويفضّل العمل على شخصيات من اختياره، لا بحسب طلبات الزبائن، ومحترفه يضمّ حتّى الآن أكثر من 200 شخصيّة من ابتكاره.

هل يمكن توسيع فكرة الـ"peg doll"؟
قرّر زياد إضافة بعض "المكونات" على الدمى لإعطائها ملامح أوضح، مثل الشعر أو النظارات، وغيرهما. لكنه يوكّد أنّ "هذا ليس نحتاً، بل تشكيل". فالنشارة التي تتبقّى من الخشب بعد عمليّة الخرط على ماكينته الخاصة، يجمعها لصقاً ويشكّل منها عنصراً جديداً يُسمّيه "معجون النجارة". ويقول إنّه يعمل على صنع مشاهد لبعض الشخصيّات مثل "الأمير الصغير" لأنطوان دو سانت-إكزوبيري، الذي نفّذ دميته في مشهد من القصّة، واقفةً على الكرة الأرضية مع الذئب والوردة، وفي مشهد آخر يقود طائرته الحمراء. ومن يدري؟ ربّما تأتي الفرصة قريباً لتنفيذ مشروع تحريك المشاهد لتصميم فيديو قصير.

كيف جذب تاريخ الدمى هذه زياد؟
بعد اتخاذ قرار صنع الدمى، درس تاريخها ليفهم مبدأها. انتشرت الـ"peg dolls" بعد الحرب العالمية الثانية مع انقطاع المواد الأولية للصناعة. حينها، راح الأطفال يصنعون الألعاب من المتوافر (الوتد)، تماماً كما كانت تُصنع في الحقبة الفيكتوريّة. وقبل نحو 150 سنة، كانت الألعاب هذه منتشرة في بلدان آسيوية مثل اليابان، وتعكس حضارتها وهويّتها عبر محاكاة الأشخاص ذوي الملامح والملابس اليابانية. لاحظ زياد أنّ "الشعب اللبناني لم يكن معرّضاً لهذه الثقافة كثيراً، فأحببتُ أن أنشرها وأعطيها طابعاً عربيّاً بطريقتي. لذلك اخترت شخصيّات معروفة من ثقافتنا لأجسّمها، أم كلثوم على سبيل المثال".







نبض