ترامب في الصين على هيئة بوذا: تأثير ثقافي وتسليع للسياسة والفوضى
خلافاً للصورة الصاخبة، يُظهر تمثال خزفي ترامب جالساً متربّعاً، عينيه شبه مغلقتين، على غرار بوذا، في تصريح فنّي ساخر حول ثقافة المشاهير، والسياسة، وفنّ تحويل الشخصيات العامة إلى سلع استهلاكية.
تباين وطابع روحي
للفنّان الصيني هونغ جينشي حسّ فكاهي ساخر، ويوم صمّم التمثال توقّع كلّ شيء، كلّ إعجاب وكلّ نقد، إلّا أن يحظى بانتشار هائل. عُرضت التماثيل للمرة الأولى في 2021 على منصة التجارة الإلكترونية "تاوباو"، ولاقت اهتماماً واسعاً. ومع اقتراب تنصيب ترامب لفترة رئاسية ثانية، أصبحت التماثيل محط أنظار الفضوليّين والمهتمّين بجمع التحف.
(أ ف ب)
التناقض عنوان هذه التماثيل. ترامب، الشخصية التي تعيش على الفوضى والجدل، وتتغذّى على الترويج الذاتي، يتجسّد في صورة تأمّل هادئ وطابع روحي، في وضع يُفترض أن يعكس السلام الداخلي والتفكير العميق.
"اجعل شركتك عظيمة مجدّداً"
يحمل غلاف التمثال شعاراً بالصينيّة معناه "اجعل شركتك عظيمة مجددًا"، في إشارة ساخرة لشعار الـ"ماغا" الشهير الذي يردّده ترامب "اجعل أميركا عظيمة مجدّداً". وتعكس لمسة الفنّان الذكية التداخل بين السياسة والتسليع وثقافة المشاهير، ليقف تمثال "ترامب بوذا" شاهداً على تحويل الشخصيات المثيرة للجدل إلى منتجات استهلاكية.
وفي حالة ترامب، أصبح تمثال "بوذا" غير المتوقّع بمثابة دليل على كيفية تحوّل ما يُنظر إليه على أنّه ابتذال في الفن والسياسة إلى ربح.
أدرك هونغ الفرق بين ترامب، "الشخصية الضخمة التي تتفوّه بأمور غريبة" وبين السياسيّين الذين "عادة ما يكونون مملّين". وفي حين أنّه يتبنّى الجانب الفكاهي في عمله، إلا أنّه لا يتردّد في الاعتراف بغرابة الفكرة وجرأتها.
تأثير ثقافي لترامب
وهونغ بعيد كلّ البعد عن الشخصيات الغريبة التي يصنعها. ومظهره البسيط وقامته المتواضعة لا يشيان بغرابة أفكاره.
(أ ف ب)
وبعد ترامب حان وقت إيلون ماسك! وفي مخيّلة هونغ يرتدي الملياردير درعاً مشابهاً لدرع شخصيّة "آيرون مان"، مع صاروخ كبير يُظهر طموحاته الفضائية. وفي كلتا الحالتين، يزيل هونغ الفارق بين التكريم والهزلية، بين الجدّية والسخرية، ويترك لنا التساؤل عن المعنى الذي في بطن المصمّم.
لعلّ تأثير ترامب الثقافي هو ما يعطي هذه التماثيل بُعداً مميّزاً. وعلى رغم خطابه الفظ والمثير للجدل - خاصة تجاه الصين - لا تزال شخصيّته جديرة بإعجاب بعض الأوساط الصينية.
لا يزال هونغ يعتقد أنّ الرئيس العائد إلى البيت الأبيض مضحك كما عهدناه. ويبدو ترامب، الذي ترك بصمة في السياسة العالمية، وكأنّه أصبح جزءاً من الفلكلور الحديث، وما التماثيل هذه سوى قطع فنّية تجسّد لحظات غريبة من التاريخ الحديث.
عبادة مشاهير؟
يبيع هونغ تماثيله بأسعار تراوح بين 999 يوان و20 ألف يوان (نحو 140 دولار إلى 2700 دولار) حسب حجمها، وقد انتشرت بسرعة عام 2021 عبر منصة "تاوباو"، وأثارت عناوين الصحف الوطنية.

(أ ف ب)
ويخدم تصوير ترامب في مظهر مقدّس تعليقاً ساخراً على عبادة المشاهير، ويُبرز كيف أنّ فن التصوير أصبح يتداخل مع الأيديولوجيات السياسية. تمثال الرئيس المجسَّد في صورة هادئة، يطالعنا وسط الفوضى والجنون. وخلافاً لتماثيل الزعماء العسكريين والملوك التي تزيّن الميادين الكبرى، يقف تمثال ترامب بين المزحة والجدّية والتسليع.
وفيما يتوقّع كثيرون أن تزداد العلاقات سوءاً بين الصين الولايات المتحدة بعد تنصيب ترامب في 20 كانون الثاني (يناير)، يرفض هونغ التعليق على سياسات الرئيس تجاه بيجينغ، وقد كفّ عن بيع تماثيله عبر المواقع الصينية، إذ، إلى جانب استفزاز الصينيّين سياسياً، اعتُبرت مسيئة للبوذيين، بينما يمكن النظر إليها على أنها ثورة فنّية ثقافية (سياسية؟) قد تساهم في كسر الصورة النمطيّة للرئيس العدو.
نبض