*إسماعيل فقيه
الذكرى عظيمة مُضاءة بانتباه الأحبة والأهل والحياة، والحدث مناسبة خاصة عزيزة على الأمّة والوطن: مئوية كبيرنا الراحل منصور الرحباني، القامة المرصّعة بالشعر والموسيقى.
وُلِدَ منصور من نغم ونور، ومع عاصي شقيقه الأكبر، أسهما في بناء هرم الثقافة العالية، وشكّلا هوية ثقافية وفنية وموسيقية وتاريخية للبنان ما بعد الاستقلال.
بداية السنة الجديدة، تصادف مئوية ولادة الراحل منصور الرحباني (1925 ــــ 2009). وفي هذه المناسبة، تنظم «لجنة مئوية منصور الرحباني» سلسلة نشاطات واحتفالات فنية وثقافية تستمرّ طوال العام.
تتضمّن النشاطات المتنوّعة العديد من الأعمال، من بينها ندوات تناقش إرث منصور الرحباني المسرحيّ والموسيقيّ والأدبيّ.
تتضمّن أيضاً عروضاً مصوّرة لأعماله المسرحيّة، تُقام في عدد من المراكز الثقافية في بيروت ومناطق أخرى، إلى جانب عروض لمقابلاته التلفزيونية و«أوراتوريو» من إعداد الموسيقي أسامة الرحباني، مستوحى من قصائد كتاب «أسافر وحدي ملكاً»، الذي يحمل توقيع والده الراحل.
وقبل نهاية العام، انطلقت النشاطات في 26 كانون الثاني/ ديسمبر على مسرح الأخوين الرحباني، في كنيسة مار إلياس (أنطلياس)، من خلال "حوار في مقام مئوية منصور الرحباني"، جمع مروان، وغدي، وأسامة، أولاد منصور.
معظم المتحلّقين في اللقاء هتفوا للغائب الحاضر أبداً، بعضهم أنشدوا وتغنّوا وفرِحوا بظاهرة الرحابنة، وبشعر منصور، بفلسفته، بفكره، بشغفه، بعبقريته الثمينة وانفتاحه على الثقافات العالمية ورموزها، وطبعاً بتكامله مع عاصي إلى حدّ التماهي، ممّا شكّل نهجاً اخويّاً، وفنّيّاً، وروحيّاً، لا يمكن تجاهله، أو التفريط به، اليوم وإلى الأبد.
لا يمكن للمهتمّ وللمتابع الحاضر في هذه المناسبة إلّا الصمت الكليّ الجليّ بحضرة المناسبة، والإصغاء بكل جوارحه لنفحات نور الغائب الكبير منصور الرحباني، والإصغاء لنور الكلام واجب، وأجدى. ويغلب اليقين بأن لبنان الحقيقيّ بُني بالجمال والإبداع، وبالمواهب الخلّاقة، والجهود المثمرة، وبعبقرية الأخوين الرحباني وأمثالهما؛ فكما أسّس أمين نخلة، وشارل قرم، وجبران، ومارون عبود، وغيرهم، الأدب اللبناني الخالد، الذي أثرى اللغة العربية وأغناها بجديد المفردة والتعبير والشعر، كذلك ابتدع الرحابنة موسيقى اختزنت منتهى البساطة والأمل، والسمو، والعمق، وانتهت في قلوبنا كأنّها من فردوس الملائكة، وتجسّدت وطناً من أجمل الأوطان.
تُشعرنا مناسبة الغائب الأكبر وشقيقه عاصي بأننا، نحن أبناء هذا الوطن (المنكوب حديثاً بفضل فساد حكّامه)، نعيش في أرض الطيور المهاجرة، وأن وطننا، وطيورنا، وفصولنا، وأطفالنا، ومستقبلنا، وشبابنا، وتراب أرضنا، يجب أن تكون في عهدة الفنّانين والعظماء أمثال الأخوين الرحباني، وسواهما من كبارنا، بدلاً من قطّاع رزق اللبناني أبالسة السياسة وجهابذة الفساد، وعبوديتهم للمال والسلطة.
ألا يكفي هذا الألم يا سادة الحكم والفساد! يكفينا ما أصابنا من قهر وعذاب وتعب!
تُشعرنا المناسبة، نحن اللبنانيين أجيال ما بعد الأخوين الرحباني، بأنّنا أبناء وطن أصيل، وبأن طيوره وفصوله وأطفاله وشبابه، ومستقبله يجب أن يكونوا في عهدة الفنّانين والعظماء أمثال الأخوين الرحباني وسواهما، بدلاً من حكّام الفساد، وعبوديتهم.
يكفي لبناننا كلّ هذا القهر والعذاب والتعب، ومجرّد وجود عاصي، ومنصور، والرحابنة، وفيروز، وأمثالهم، في حياتنا، نتذوّق نعمة سماويّة تُحصّنُنا في لبناننا، وتُبقينا في أمان!
نبض