"جمال خالص"... فسيفساء كاتدرائية صقلية تستعيد بريقها الذهبي

شُيّدت الكاتدرائية بين عامي 1174 و1189 بالقرب من باليرمو بأمر من الملك ويليام الثاني، وتُعدّ من مواقع التراث العالمي لليونسكو. يجمع الصرح الضخم بين الأنماط الغربية والإسلامية والبيزنطية، ويضمّ واحدة من أكبر مجموعات الفسيفساء الداخلية في العالم. تغطّي الزخارف الفسيفسائية مساحة 6 آلاف و500 متر مربع، وتصور قصصاً من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد. ويعتقد الخبراء أنها صُنعت باستخدام 2,2 طن من الذهب الخالص.
لعلّ العنصر الأبرز في هذه الفسيفساء تصوير "المسيح الضابط الكل" (Pantocrator) العملاق في القبة الخلفية للكاتدرائية. ويُعتبر هذا الرمز نموذجاً تقليدياً للأيقونات المسيحية الأرثوذكسية، ويشابه الموجود داخل آيا صوفيا في إسطنبول. وقد أعلنت السلطات الإقليمية العام الماضي أنّ الفسيفساء تحتاج إلى ترميم بسبب الأضرار الناجمة عن تسرّب المياه. وبلغت تكلفة المشروع 1,1 مليون يورو، موّلها الاتحاد الأوروبي.
(رويترز)
استمرّت أعمال الترميم لأكثر من عام، وخلال هذه الفترة تحولت الكاتدرائية إلى ورشة عمل ضخمة مع شبكة من السقالات في المذبح والممرّ الجانبي.
"تحدٍّ كبير"
قاد خبراء من وزارة الثقافة الإيطالية سلسلة من الأعمال بدأت بإزالة طبقة سميكة من الغبار تراكمت على مدى سنوات، قبل إصلاح القطع الفسيفسائية التي فقدت طلاءها بالمينا والذهب، مما جعلها تبدو كبقع سوداء من الأسفل. وأخيراً، تم تثبيت القطع التي كانت تتقشر وتكاد تنفصل عن الجدران.
وفي حديث لـ"بي بي سي"، وصف الأب نيكولا غاليو العمل على الفسيفساء بأنه تحدٍّ كبير ومسؤولية ضخمة، قائلاً إنذ "الفريق تعامل بحذر شديد، وكأنهم يسيرون على أطراف أصابعهم". وذكر أنّ بعض المشكلات غير المتوقعة ظهرت أثناء العمل، ما استدعى وقف العمليات موقّتاً للعثور على حلول.
(رويترز)
ويسرد غاليو أنّه عندما وصل العمّال إلى السقف، اكتشفوا أنّه كان مغطى في الماضي بطبقة من الورنيش التي أصبحت صفراء مع الوقت. "كان عليهم إزالتها بعناية، كما لو كانوا يقشرون طبقة من البلاستيك".
"إنها جمال خالص"
خضعت الفسيفساء لترميم جزئي عام 1978، ولكن هذا التدخل الأخير كان أوسع نطاقاً وشمل استبدال نظام الإضاءة القديم.
وقال ماتيو كوندار، مدير شركة "زومتوبل" التي كُلّفت بتركيب نظام الإضاءة الجديد: "كان النظام القديم ضعيفاً جداً، وتكلفة الطاقة مرتفعة، ولم يكن يُبرز جمال الفسيفساء كما يجب". وأضاف: "كان التحدي الأكبر هو تسليط الضوء على الفسيفساء مع تقديم نظام قابل للاستبدال في المستقبل من دون الإضرار بالمبنى".
(رويترز)
وعن شعوره عندما أزيلت السقالات أخيراً وأضاءت الفسيفساء في ضوئها الجديد، قال الأب غاليو ضاحكاً: "عندما تراها، تشعر بالرهبة ولا تستطيع التفكير في أيّ شيء. إنها جمال خالص".
واختتم الكاهن الذي أمضى 17 عاماً في الكاتدرائية وأشرف على عمليات الترميم، قائلاً: "إنها مسؤولية كبيرة أن تكون حارساً لهذا التراث العالمي. هذا العالم بحاجة إلى الجمال لأنه يذكرنا بما هو جيد في الإنسانية، وما يعنيه أن نكون رجالاً ونساءً".