"هينة العيشة هيك" هو عنوان مسرحية فؤاد يمّين الجديدة (مسرح مونو، بيروت). وفيه يأخذنا يمّين في رحلةٍ عبر الزمن، ثمّ تشعر بأنّك تنتقل معه من مكانك وفي الوقت عينه يجعلك حاضراً أكثر .
تعود بك المسرحية إلى الوراء، إلى الماضي والطفولة، والخسارة والصدمات والانكسارات و"أسوأ 5 مواقف في حياتك". ثم تدفعك العمل إلى الأمام، ليسوقك العرض إلى غدٍ تختار فيه الخير وكأنّ أحداً لم يمارس عليك الشر يوماً.
تبدو المسرحية مناسبة لهذا الوقت وكل الأوقات في بلدٍ ما انفك يختبر الصلب والقيامة، وفي عالم صادم من فرط ظلمه وشره وقسوته حتى بتنا كما فؤاد لا نعرف أيّ حقيقة؟ وأيّ خيال؟
يسرد يمّين كيف أن الشخص السيء لم يولد سيئاً بل عنّفته الحياة وروّضته رويداً رويداً، مستشهداً بأمثلة عن بعض زعماء لبنان الحاليين. تسلط المسرحية الضوء على شتى أنواع السلطة التي تمارَس علينا بدءاً من سلطة المدرسة إلى السلطة الدينية والعادات والعائلة وإلى أي مدى تؤطر هذه السلطات هويتنا ونقاط قوتنا وضعفنا.
على خشبة المسرح، يروح فؤاد ويجيء، يسكت ويصرخ ويرقص، يفرح ويحزن وينكسر ويجثو على ركبتيه ويصلي "أبانا الذي في السموات.. واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا". ولكن هل نحن نغفر؟ في عتمة المسرح وصمت الحضور، يصلي فؤاد وأصلي وأغمض عيني لأتالم وأفكر وأحس وأسامح وأبادر بالحب، أتمنى ألا أنهزم من الشرير وألا تحولني التجارب إلى شخص غاضب حاقد وأن أرى الخير الذي فُطر الناس عليه قبل أن أرى الشر الذي دسّته الحياة فيهم.

في مسرحية "هيني العيشة هيك" دعوة للتصالح مع ذاتنا الحالية والسابقة، مع أهلنا وأصدقائنا ووطننا واحتضان ألمنا والعروج فيه إلى حيث يمكن تغيير واقعنا الأليم. في مسرحية يمّين دعوة مبطنة لئلا نختار الحياة الهينة التي نغمض فيها أعيننا عما يجري من حولنا بقصد التغافل.
ومع نهاية العرض، قد يجد الجمهور نفسه على سكة من الأسئلة المتتالية. ما هي أسوأ خمسة مواقف صادفتني في حياتي؟ من يجب أن أسامح لأتخطى وأمضي بسلام؟

أوغستا ناكور، 34 عاماً، احدى الحاضرات علّقت على فكرة التماهي بين العرض والجمهور قائلة: "أحببت فكرة سرد القصص، من ذكريات الطفولة وتجارب المدرسة والمعلمين والطقوس والتقاليد... شعرت باتصال عميق مع القصص وكأنها تتحدث عني. كانت هناك لحظات مضحكة، حزينة، غاضبة، وحتى لحظات صادمة. مررت بمشاعر متقلبة أثناء المشاهدة".
أما نينيت الزيتونية، 22 سنة، فقد شاهدت المسرحية مرتين ولو سنحت لها الفرصة لكانت شاهدتها مرة ثالثة. "المسرحية معبّرة جداً وقد وصلتني القصص والأفكار التي طرحها يمّين بدقة وسلاسة".
تمدح يمّين كيف نجح في أن يبقي على ترابط أفكار محكم طوال المسرحية وكيف خدعنا بعدم معرفتنا إن كان بالفعل يروي قصته أم قصة من نسج الخيال. تشجع الزيتونية على حضور المسرحية وتصف التجربة بالمنعشة والجديدة.
وقد أثار فؤاد يمّين فضولي وأردت أن أجرب حظي وأسأله عن أصعب المواقف التي صادفها في دوره هذا، فأجابني أن هذا بالفعل أمر شخصي جداً ولكنه وبلا شك يرى أنّ تعرض ولده لأذية نفسية أو معنوية هو أكبر هواجسه في الحياة.
يستمر عرض المسرحية في مسرح مونو في بيروت حتى 27 من الشهر الجاري.
نبض