تانيا صالح تغنّي لغة الأطفال: نعيش "لعب ولاد زغار"... فكيف نخلص؟

تانيا صالح تغنّي لغة الأطفال: نعيش "لعب ولاد زغار"... فكيف نخلص؟
الفنانة اللبنانية تانيا صالح على أدراج بعلبك
Smaller Bigger

في داخلها طفل لم يهدأ يوماً. تنظر إلى الحياة ببراءة، وتترجّى عصا سحريّة تغيّر الواقع. يوم عادت إلى لبنان أخيراً لإطلاق ألبومها الجديد "لعب ولاد زغار" المخصّص للأطفال، قالت لها صديقتها المخرجة نادين لكبي: "عودي إلى لبنان، فنحن بحاجة إليكِ... نريد منكِ المزيد". جاء الألبوم رسالة مفتوحة إلى أطفال لبنان، وكلّ طفل يعيش همّاً أكبر منه، في غزة وسوريا وكلّ البقاع المعذّبة. 

في بيروت، كان لـ"النهار" لقاء مع تانيا، تلك التي تغنّي بلغة الأطفال، لتحاكي آلامهم وتحطّم صمت الكبار.

شئتِ أن يحمل ألبومك الجديد اسم "لعب ولاد زغار". ألا ترين أنّ وضع المنطقة أشبه بمسرح دمى ولعبة أطفال حيث يُداير مشهد غير منظّم؟
100 في المئة، حياتنا في الوقت الحاضر تشبه لعبة أطفال، كأنّ لا قيمة لنا، كأنّنا فقدنا المعنى وتحوّلت الحياة لعبة فيديو كبيرة، والعالم منقسم بين طرفين، الذي يحقّ له أن يعيش والذي لا يحقّ له أن يعيش؛ وذلك الذي يحقّ له أن يعيش يتلاعب بنا. جميعنا متساوون في الواقع، اللبناني غادر منزله، تماماً كما السوري والفلسطيني، وتوقيت الألبوم كان لا مفرّ منه. أردت أن أقول للأولاد أشياء تفوق أعمارهم بطريقة بسيطة. 

عشتِ الحرب الأهلية اللبنانية والحروب الأخرى. كنتِ طفلة، واليوم ترين أطفالاً يعيشون الأهوال. هل قال الألبوم ما أرادت تانيا-الأم أن تقوله؟
أعرف تماماً ما تشعر به الأم في الحروب وكيف تُذبح يوميّاً. اختبرت الأمر وعشته. لم أقوَ على استيعاب ما حدث مع أطفال غزة. هل يُعقل أن تُقتل طفلة في سيّارة تضمّ جثث أهلها كما حصل في غزة؟ الأخبار تنهمر علينا كما المطر؛ قل كما الطوفان، وإن شئت أن تبتعد قليلاً تشعر بالذنب لانفصالك عن الواقع. سيّان عندي من أشعل الحرب ومن ردّ عليه، لكن ما ذنب الطفل الذي لا يفقه شيئاً في لعبة الكبار؟ هذه المرّة أردت أن أتوجّه نحو الأطفال لأقول لهم ما لا أستطيع أن أقوله للكبار.

 

 

ألبوم مماثل، في توقيت مماثل، يطرح مسؤولية كبيرة.
مسؤولية كبيرة طبعاً، لأنها المرة الأولى التي أقوم بها بعمل كهذا. كنت أغنّي لولدَيّ وأختبر وإيّاهما الكلمة والنغم، وعندما كبرا قرّرت أن أتّجه نحو الأطفال لأكتب لهم وألحّن. راحت الأفكار تتشكّل وتأخذ أبعادها في قالب موسيقي، وتتحوّل شيئاً فشيئاً، كما قطع الـ"ليغو" إلى ألبوم. على أيّ حال، كنت بحاجة للتسلية. أردت عملاً جديداً لا يشبه الأعمال الجدّية السابقة، وأفكّر اليوم في أعمال جديدة للأطفال. أفكّر في مسرحية تتحدّث إليهم عن شخصية تاريخية موسيقية عربية. سأنجز الفكرة إن شاء الله، أنا أكيدة.

قبل فترة شاهدت مقابلة قديمة لداليدا تتحدّث فيها عن الطفل الباكي الذي يسكن كلّ واحد منّا. ماذا عن الطفل الذي في داخلك؟
الطفل الذي في داخلي لم يَنَمْ أصلاً. أنا طفلة كبيرة. أفكّر دائماً لو كانت لديّ عصا سحرية تخفي الأشرار وتحقّق الأمنيات وتجمّل الحياة. ولداي يسخران من أفكاري الطفولية. أنظر إلى الحياة بعينَي ولد يختبر الأشياء للمرة الأولى، أراها كما يراها طفل فتح عينيه لتوّه؛ وهكذا أعبّر عمّا أشعر به.

 

 

شارف العام على الانتهاء والأمنيات معلّقة على العام الجديد. هل من أمنية ترجو تانيا صالح أن يحقّقها عام 2025؟
نعيش في دوّامة مغلقة يبدو كأنّنا لن نغادرها. كيف نخلص؟ لست أدري. نريد أن نتنفّس، نريد فرصة لإعادة الإعمار وعودة أولادنا إلى أحضاننا. نريد للبنان حكومة فاعلة ورئيس جمهورية يعيد ترتيب الأشياء، ونريد وضع حدّ لجهات تشحذ المساعدات باسم الشعب اللبناني، وأن نتعلّم الدرس، أو على الأقلّ نصف الدرس الذي علينا تعلّمه. أعجب من أولئك الذين يرقصون على جراح وطنهم والذين لم تحرّكهم الحرب. بتّ أكره مصطلح "الصمود" الذي يبيح للمواطن حلّ المشاكل بالمبالغة في الانفصال عن الواقع. هذا ما أتمنّاه، أن نأخذ فرصة لتنفّس الصعداء، وأن نرتاح أخيراً ممّا عشناه.

نعود قليلاً إلى الألبوم. هل من أغنية مفضّلة؟
أغنية "لعب اولاد زغار" كان اسمها أساساً "الشختورة" (الزورق). تعجبني فكرة الشختورة التي انطلقت من لبنان، بُنيت من خشب الأرز، فجابت البحار مراراً وعادت، حملت معها الأبجدية والأرجوان غالي الثمن. تحمل الشختورة اللبنانية رمزية خاصة بالنسبة إلي. أعجب من أولئك اللبنانيين الذين يسخرون من حضارتنا الفينيقية وما أعطته للعالم. كيف لهم أن ينسوا أليسار التي انطلقت من مدينة صور وأسّست قرطاج؟ كيف لهم أن ينسوا أسطورة أوروبا التي خطفها من الساحل اللبناني الإله اليوناني زيوس؟

قبل فترة زرتُ تونس. التونسيّون متعلّقون بأليسار جداً، وتعني لهم أكثر ممّا تعني لنا!
بالظبط. هذه مشكلة بحدّ نفسها. ترى أفراداً لا يهمّهم تاريخهم ولا يحبّونه. ثم كيف لك أن تحبّب العالم بشخص لا يحبّ نفسه؟

تكتبين، تلحّنين، ترسمين وتحرّكين رسومك... أقول عنك دائماً "فنّانة لكلّ المناسبات"!
أحب أن أخلق أشياء تفرح الناس. خلال إقامتي في فرنسا أنجزت المشروع الذي كنت أطمح إليه، أن أرسم أفكاري وأحرّك ما أرسم. هذا ما أفعله باختصار. هذا شغلي ولا أقوم بشيء آخر. في داخلي "تانياتان"، واحدة تأمر الثانية بالمثابرة على العمل وأخرى تطلب منها فترة راحة قصيرة لترسم وتلوّن. أنا محظوظة لأنّني محاطة بأصدقاء يغمرونني بالدعم والحب. في 14 كانون الأول (ديسمبر)، ألتقي أصدقائي وجمهوري في مطعم لبناني في باريس لتوقيع الكتاب الذي عملت عليه وصار متوافراً في مكتبات عدّة، وأفكّر مستقبلاً في إقامة حفل في لبنان لإطلاق ألبوم جديد. العودة إلى الجمهور اللبناني باتت ملحة، وبصراحة أتعبني البُعد. أتعبني البُعد كثيراً.

 

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/10/2025 8:28:00 AM
أثار الفيديو المتداول تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي
المشرق-العربي 10/11/2025 1:12:00 PM
على الرغم من السرّية الشديدة التي تُحيط بمخبأ الأسد الخفي، تمكّن فريق الصحيفة الألمانية من دخول المبنى نفسه والتقوا هناك بوكيلة عقارات محلية عرّفت عن نفسها باسم مستعار هو ناتاشا.
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟