كرنفال القاهرة لعلاء خالد... بين محاكمات الذات والوجود

كرنفال القاهرة لعلاء خالد... بين محاكمات الذات والوجود
الغلاف
Smaller Bigger

لكل كاتب/ مبدع، عتبات يتكئ عليها لصنع مسيرته في الإبداع كي تصبح المحصلة، محطات ورؤية للطريق. وفي عمله الجديد "كرنفال القاهرة" (دار المرايا للنشر)، يُكمل الكاتب الشاعر والروائي علاء خالد مفارق ما يشبه الثلاثية بعد "داود عبد السيد وسينما الهموم الشخصية"، "متاهة الإسكندرية". وهي ثلاثية يكشف من خلالها السارد تأثره بأسماء وعناوين ومحطات وأحداث سياسية واجتماعية وتماهيه مع بعض تلك الأسماء، ليضعنا أمام موقف كل كاتب "حقيقي" تجاه الأبعاد السياسية والاجتماعية، والأهم انعكاس هذا الطرح سواء في القصة أو الرواية أو حتى النقد الثقافي، وموقف الكاتب من الوجود وفعالية الكتابة، ودور المبدع في مقاومة الغشم والنفي السلطوي بمطاردة مبدعي الرسم والشعر والرواية بتياراتهم المتعددة.

بانوراما
 في "كرنفال القاهرة" يعود الكاتب متعدد المسارات علاء خالد الى عقدي الثمانينيات والتسعينيات، ليتوقف عند منتج كلٍّ من الراحل علاء الديب وأروى صالح والفنان التشكيلي حسن سليمان والروائي جمال الغيطاني، وكذلك تجربة السارد نفسه وهو كاتب "كرنفال في القاهرة" عبر استعراض بداياته كشاعر وتوجهه لمدينة القاهرة تاركًا مدينة الميلاد والنشأة "الإسكندرية"، ليبحث عن مكان لممارسة شغفه في الكتابة الصحفية.
يأتي ذلك خلال توقيت فارق جداً في المشهد الثقافي والسياسي والاجتماعي، طارقًا الكثير من الرؤى التقويمية والمناهضة لتلك الكتابات ومواقف طارحيها عن ماهيات الإبداع، وانفتاحه على الكثير من رؤى التأويل وفي عصر كانت النزاهة وحرية الفرد/ المبدع واستقلاليته، تمثل رهبة للحكام، بل وللتيارات الثقافية والفكرية الأخرى، التي مثلت حاجزًا  تجاه كل محاولات الخروج، والتي قامت على بنية عقلية وإبداعية تلاقت حجتها في الغاية والوسيلة، حيث نرى العودة في الكتاب المعنون وكأنه محاكمة علنية لكل من صمد في وجه التقهقر والصمت تجاه آليات التنكيل السياسي ضد كل إبداع أو كتابة حرة قامت على عصابية ومجهود فردي.
تمثل فصول الكتاب حقبة فريدة في علاقة الكاتب بالسلطة والجو العام، وتستعيد شيئاً من رحلته ومساره من بداياتها وحتى نهاياتها، مستعرضاً  سخونة جيل السبعينيات وأزمته مع النظام السياسي في مرحلة نظام الحكم الساداتي الذي عاد على الكثير من الكتاب والفنانين إلى العزلة والصمت أو العمل على مشروع غائم يتسلل بروية تحت أعين أجهزة التنصت، من الجانب الرسمي السلطوى الحاكم وأذرعه المتحكمة في الكاتب قبل الكتابة.

يعود علاء خالد ليفتش في المآلات التي أودت بالكثير من كتاب تلك المرحلة إلى الانزواء والصمت، مع استعراض آليات اشتباك المؤلف مع منتج جوهري لكلّ من ذكرت، مرة بالإعجاب ومرات بالتماهي مع الشخصاني والإنساني والفني الجمالي، كما في تجربة الراحل علاء الديب والذي مثل بكتاباته "زهر الليمون"، "وقفة قبل المنحدر"، "أوراقي" أو مجموعة الحصان والقاهرة والعروج على ما قبل السبعينيات حيث كتابات الاغتراب والذي مثلت ذرى السفح المؤكد لأزمة الكاتب/ المثقف الحقيقي، وتتوالى المحطات فمن الديب إلى أروى صالح وكتابها الأيقوني "المبتسرون"، حيث بلاغة الشهادة عن زيف المثقف وتناقضه بين الهوى والثبات على الموقف، لنرى النهايات لكل من ذكرهم الكاتب سواء بالموت أو الحسرة أو الانتحار أو الصمت العاجز عن الحراك في مجتمع ومنظومة سياسية وشلل ثقافية أودت بالحلم.
 يطوف المؤلف وكأننا نرى في عتباته أو مضاهاته أو تلك الأسماء التي اجترّ سيرتهم، وكتاباتهم، وعلاقاتهم بالسلطوية وسلطة غاشمة لتيار ثقافي مهلهل أو نفعي، كان على النقيض من مشروع هؤلاء الذين استند إليهم الكتاب، وكأنه مرثية للذات من قبل مؤلفه، فهل كانت هناك تلك القصدية في التكرار والعود على بدء، وكأن التاريخ يعيد نفسه مع اختلاف الأزمنة والأشخاص، لتكون النهايات واحدة/ متشابهة، أو عبثية بلا طائل.
يوغل المؤلف في قاهرة الثمانينيات وشوارعها وحوانيتها وفنادقها ومطاعمها ومشاربها، حيث كان له المكوث القلق للإقامة في القاهرة والبحث عن لقمة عيش من خلال مهنة الصحافة، ولم يوفق فيها، ليدور الحراك المعيشي مختلطاً بالوجودي والنفسي، ثم يسأل نفسه، إلى أين وكيف المسير؟

هكذا يقوم كتاب علاء خالد على تقليب التربة الثقافية/ الإبداعية المصرية، باستعادة الماضي والتحدث إلى النفس قبل القارئ.
 
 في "كرنفال القاهرة" يشتمّ القارئ والمشتبك مع عالم القاهرة برؤية علاء خالد، كيف كانت القاهرة قبل أكثر من أربعة عقود، برؤية بصرية/ بصيرية/ فلسفية ووجودية في آن، حيث ترى الحكايا وتنقل الكاتب من ضاحية إلى أخرى، من فنادق الزمالك وسليمان باشا أو طلعت حرب لأحياء غاردن سيتي ومباني الكوزموبوليتان في وسط القاهرة، والحوانيت والبارات ورائحة الطعام والبشر، واستقبال الصباحات الندية عبر شرفات فنادق لم يكن يعلم عنها الكاتب شيئًا إلا وقت أن رماه الشغف الجمالي والفني للتقليب في تلك الأجواء عبر يوميات يحددها القدر، والبحث عن منفذ للولوج إلى عالم الصحافة والكتابة.

فهل طمع الكاتب في تخليد مسيرته وسيرته بجانب من ذكرهم بحميمية في كتابه، أم كان القصد غربلة المشهد الفكري والإبداعي المصري عبر ما يزيد عن أربعة عقود؟
 لم ينتبه الكاتب المجرد من كل هوى، أنه بهذا الطرح قد اختار أمتن المواقف الشخصانية والفكرية، لينصهر في عالمه مع هؤلاء الذين سيتوقف الزمن والتاريخ كثيرًا أمام تجاربهم، التي لا تبغي إلّا الخلاص والحقيقة، سواء عبر السرد، أو المواقف الثابتة، ناهيك عن السعي نحو كتابة جمالية وتجريبية تطمح إلى البقاء، أم أن ثمة إشارات ورموز وحكايا يؤكدها الكاتب بالوعي والذاكرة الانتقائية، بأن كل هذه الطروحات في عمق المشهد الثقافي والفكري وحتى السياسي والاجتماعي، تمثّل شهادة على العصر، أو لنقل هي خلاصة الباقي من مشهد ثري ورصين وهائج في آن كان يشير بتماس وتماهي المؤلف مع آخر الرحلة التي لامسها الكاتب بآليات وإشارات التوديع صوب الأفول، انتهاء مرحلة/ عصر/ حالة، والخروج إلى إيقاع  آخر بلا قوام إلّا السيولة واللهث بالزمن وصراع الأحداث.

  

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 11/1/2025 8:19:00 AM
من هي الدول المشاركة في حفل افتتاح المتحف المصري الكبير؟ 
سياسة 11/1/2025 3:32:00 PM
برّاك: "آلاف الصواريخ المنتشرة في جنوب لبنان ما زالت تشكل تهديداً حقيقياً لإسرائيل"...
ثقافة 11/1/2025 8:45:00 PM
بصمة لبنانية في مصر تمثّلت بتصميم طارق عتريسي للهوية البصرية للمتحف المصري الكبير.
اقتصاد وأعمال 10/31/2025 9:15:00 AM
جدول جديد لأسعار المحروقات