بوباي "القاتل" يركب قافلة ميكي ماوس: كلاسيكيات غيرت ملامحها بعد سقوط حقوق النشر

لعقود خلت، كان "ميكي ماوس" لا يعدو كونه فأراً أُسبغت عليه صفات الإنسان، يقفز مرحاً بسروال أحمر وحذاء كبير وقفازات بيضاء. ثمّ حلّ العام 2024، ورُفعت قيود حقوق النشر التي كانت تحمي الصورة اللطيفة، فظهر ميكي الجديد: مدير منوَّم مغناطيسيّاً يتخفّى بقناع الفأر، يوقع بمجموعة من الأصدقاء ويثير الرعب داخل صالة ألعاب.
في الأوّل من كانون الثاني (يناير) من كلّ عام، تسقط حقوق المؤلّف في الولايات المتحدة عن آلاف الأعمال الفنّية التي مرّ على إنتاجها أو نشرها 95 عاماً، لتدخل "المكليّة العامة". هذا العام، مع رفع الحماية عن رموز شهيرة مثل "بوباي" و"تان تان"، تواجه الشخصيتان الكلاسيكيتان إصدارات جديدة من دون إذن، قد تكون مغايرة لما اعتدنا عليه، تماماً كما حدث مع ميكي ماوس في فيلم "The Mouse Trap" عام 2024، وقبله "ويني-ذا-بوه" الذي كان مجرّد دب بدين ولطيف مدمن على العسل، قبل ظهوره بصورة مغايرة في فيلم "Winnie-the-Pooh: Blood and Honey" عام 2023.
بوباي "رجل قاتل"!
بشرايين ساعدين منتفخة، وكلام متلعثم، وميل دائم نحو المشاجرة، ظهر بوباي لأول مرّة عام 1929 في شريط الكوميكس الصحفي "ثيمبل ثياتر". الشخصية الكوميكية الكلاسيكية التي كان من المفترض أن تظهر لمرة واحدة فقط أصبحت جزءاً دائماً من الثقافة الشعبية.
لكن، كما في حالة ميكي ماوس وويني-ذا-بوه، فإنّ النسخة الأولى فقط من شخصيّتي بوباي وتان تان هي التي ستكون متاحة لإعادة الاستخدام. فكرة أنّ السبانخ منبع قوة بوباي الخارقة أضيفت لاحقاً، وهي من العناصر التي قد تؤدي إلى نزاعات قانونية، بينما يشقّ فيلم "بوباي الرجل القاتل" طريقه نحو النور، متتبّعاً رحلة أصدقاء يتسلّلون إلى مصنع تعليب سبانخ مهجور لتصوير فيلم وثائقي عن أسطورة "الرجل البحّار"، الذي يُشاع أنه يجوب المصنع والأرصفة القريبة.
كذلك، فإنّ الأفلام القصيرة المتحرّكة التي منحت بوباي حنجرة وصوتاً لم تبدأ حتى عام 1933، وهي لا تزال محمية بحقوق النشر، بالإضافة إلى فيلم المخرج روبرت ألتمان عام 1980، الذي جسّد فيه روبن ويليامز دور بوباي، وشاركت فيه شيلي دوفال بدور حبيبته أوليف أويل (زيتونة).
تان تان: ما التالي؟
الصحافي المراهق ذو الملامح البسيطة والخصلة الحمراء التي تشبه موجة البحر، ظهر للمرة الأولى في ملحق تابع لصحيفة "لو پوتي ڤانتيام" البلجيكية، وأصبح لاحقاً ميزة أسبوعية.
ظهرت الكوميكس للورة الأولى في الولايات المتحدة عام 1929، لكن الألوان المميزة، بما في ذلك شعر تان تان الأحمر، لم تظهر إلّا بعد سنوات. وتماماً كما سبانخ بوباي، قد تصبح هذه العناصر موضوع نزاعات قانونية. وفي بلدان عدّة، تبعاً للقوانين المرعية الإجراء، لن تصبح حقوق تان تان ملكية عامة إلّا بعد مرور 70 عاماً على وفاة مبتكره إيرجيه عام 1983.
رفع الحماية
أول سؤال يتبادر إلى الأذهان في الحديث عن مستقبل الكلاسيكيات هو "ماذا يحدث عندما تدخل الأعمال الفنية الملكية العامة في الولايات المتحدة؟". الجواب بسيط: لن تعود محمية بموجب قانون حقوق النشر. هذا يعني أن الجمهور يمكنه استخدام هذه الأعمال بحرّية من دون الحاجة إلى طلب إذن أو دفع رسوم. وغالباً ما يُنظر إلى هذه الحرية على أنّها فرصة لاستكشاف إبداعي وتوسيع الوصول إلى التراث الثقافي، لكنها في الوقت ذاته تفتح الباب أمام إصدارات قد لا ترقى إلى مستوى الأعمال الأصلية.
تختلف مدة حماية العمل بموجب حقوق النشر بناءً على تاريخ إنشائه ونشره. الأعمال المنشورة قبل عام 1924 دخلت الملكية العامة اعتباراً من كانون الثاني 2025، فيما تستمرّ حماية الأعمال التي أُنتجت بعد الأول من كانون الثاني 1978 طوال حياة المؤلف بالإضافة إلى 70 عاماً. أمّا إذا كان العمل من إنتاج كيان تجاري، فمدّة الحماية تصل إلى 95 عاماً من تاريخ النشر، فيما تُعتبر الأعمال غير المنشورة لمؤلفين توفوا منذ أكثر من 70 عاماً حرّة وغير محمية بحقوق النشر.
كلاسيكيات خالدة "حرّة"
هذا العام، دخلت الملكية العامة في أميركا روايات عدّة مثل "وداعاً للسلاح" لإرنست همنغواي، و"غرفة تخصّ المرء وحده" لڤرجينيا وولف، و"الصخب والعنف" لوليام فوكنر، والترجمة الإنكليزيّة الأولى لكتاب "كلّ شيء هادئ على الجبهة الغربيّة" لإريك ماريا ريمارك.
وفي السينما، برز فيلما "بلاكميل" للمخرج ألفريد هيتشكوك و"الحرس الأسود" لجون فورد. أمّا في الموسيقى، فأول تسجيلات Rhapsody in Blue لجورج غيرشوين، ومعزوفة "بوليرو" الموسيقية لموريس رافيل، وأغنية Singin’ in the Rain التي ارتبطت بفيلم جين كيلي.
بينما تدخل شخصيات كلاسيكية مثل بوباي وتان تان عصراً جديداً وإعادة تشكيل، يتأرجح مستقبلها بين الحفاظ على جوهرها الأصلي والتحوّل إلى نسخ مشوهة. الزمن كفيل بالإجابة، والعين على الجمهور وكيف سيعيد تفسيرها ووضعها في سياق يعكس هواجس العصر، ما يجعل الملكية العامة مساحة اختبار حقيقي للموازنة بين التراث والتجديد.