استراتيجية تاجر السيارات... هل ينجح ترامب في إجبار إيران على التنازل؟
د. خالد الحاج (*)
منذ اللحظة الأولى لعودته، كان واضحاً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيواصل نهجه المعروف في التعامل مع إيران، لكنه اليوم يتبنى عقلية تاجر السيارات الذي يواجه بائعاً مضطراً للبيع بسبب أزمة مالية خانقة. يدرك ترامب أن الاقتصاد الإيراني يعاني تحت وطأة العقوبات، وأن التضخم والبطالة يفاقمان الضغوط الداخلية على النظام، ما يجعل طهران أكثر حاجة لتخفيف القيود الاقتصادية. لذلك، يرفع سقف مطالبه، ويصر على فرض شروط أكثر صرامة، مستغلًا الوضع السياسي والاقتصادي المتدهور داخل إيران.
إحدى أهم الأوراق التي عاد ترامب لاستخدامها هي سلاح النفط. فمن خلال زيادة إنتاج النفط والتنسيق مع حلفائه في الخليج، يسعى إلى إبقاء أسعار النفط منخفضة، وهو ما يوجه ضربة قاسية للاقتصاد الإيراني. تعتمد طهران أساساً على تصدير النفط عبر قنوات غير رسمية بأسعار مخفضة، وإذا استمرت الأسعار العالمية في الانخفاض، فستجد نفسها مضطرة لبيع نفطها بأسعار أدنى، ما يزيد من أزمتها الاقتصادية وعزلتها الدولية.
في هذا السياق، تلعب إسرائيل دوراً محورياً، خاصة مع حكومة بنيامين نتنياهو التي لطالما اعتبرت البرنامج النووي الإيراني تهديداً وجودياً. اليوم، ومع عودة ترامب وغياب أي بوادر للعودة إلى طاولة المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، تتزايد احتمالات التصعيد، حيث يضغط نتنياهو على واشنطن لاتخاذ موقف أكثر تشدداً، بل وربما دعم ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية.
لكن السؤال الكبير: هل يستخدم ترامب هذا التهديد كورقة ضغط إضافية لإجبار طهران على تقديم تنازلات؟ أم أن الأمور قد تتجه نحو تصعيد لا يمكن ضبطه؟
إلى جانب العقوبات والضغوط العسكرية، هناك سيناريو آخر قد يعيد خلط الأوراق: ضربة إسرائيلية ثانية لحزب الله في لبنان، تستهدف قدراته العسكرية بشكل جذري. فإذا قررت إسرائيل توجيه ضربة قاضية للحزب، فذلك سيضع إيران أمام معادلة صعبة: إما خسارة نفوذها الإقليمي بشكل كامل، أو تقديم تنازلات كبيرة للولايات المتحدة لتخفيف الضغط عليها وعلى حلفائها.
هذا السيناريو ليس مستبعداً، فإيران تدرك أن أي ضربة قاسية لحزب الله قد تؤدي إلى تقليص نفوذها الإقليمي بشكل كبير. ومن جهة أخرى، قد يكون هذا السيناريو بمثابة الحل الوسط بين ترامب ونتنياهو—بحيث يمتنع ترامب عن إعطاء الضوء الأخضر لضربة مباشرة ضد إيران، مقابل السماح لإسرائيل بتوجيه ضربة حاسمة لحزب الله.
في ظل هذه المعادلات المتشابكة، تبقى إيران في موقف دفاعي معقد، حيث تواجه خيارات صعبة بين تقديم تنازلات أو المجازفة بتصعيد غير محسوب العواقب.
(*) دكتوراه في التاريخ السياسي ومتخصص في الشؤون الإيرانية
نبض