الرئيس نبيه بري: صورة الشيعة المشرقة وقوة الحضور الدولي
الدكتور نبيه شمص
في عالمٍ تتسارع فيه الأحكام المسبقة، وتكثر فيه محاولات التشويه، تصبح الصورة أحيانًا أخطر من الحدث نفسه. من هنا تبرز أهمية الدور الذي اضطلع به الرئيس نبيه بري، ليس فقط بوصفه زعيمًا سياسيًا لبنانيًا، بل كأحد أبرز من عملوا على تقديم الصورة الحقيقية والمشرقة للشيعة أمام العالم: صورة الاعتدال، والحكمة، والانفتاح، والالتزام بالدولة والقانون.
لقد أدرك الرئيس بري في وقت مبكر أن قوة الطائفة الشيعية لا تكمن في الانفعال أو الخطاب العالي، بل في القدرة على بناء العلاقات، وصياغة المواقف المتزنة، وتقديم نموذج سياسي مسؤول يحظى بالاحترام الدولي. لذلك جاء حضوره الخارجي هادئًا وقويًا في آنٍ واحد، ورسائله واضحة وثابتة: الشيعة جزء أصيل من أوطانهم، شركاء في الاستقرار، ودعاة حوار لا أدوات صدام أو فوضى.
ومن خلال شبكة علاقاته العربية والدولية الواسعة، استطاع الرئيس نبيه بري أن يفتح أبوابًا سياسية وديبلوماسية أُغلقت بوجه غيره، وأن يبدّد كثيرًا من الصور النمطية السلبية التي أُلصقت بالشيعة، فكان مخاطِبًا مقبولًا في العواصم المؤثرة، ومحاورًا موثوقًا لدى صنّاع القرار، وصوتًا يُصغى إليه حين يتحدث عن لبنان، وعن قضايا المنطقة، وعن حقوق المكوّنات فيها.
قوة الرئيس بري الدولية لم تكن يومًا استعراضًا أو بحثًا عن أضواء، بل شكّلت نموذجًا لما يُعرف بالقوة الناعمة القائمة على الثقة والخبرة والاتزان. فقد قدّم الشيعة للعالم بوصفهم أصحاب قضية عادلة لا جماعة انعزال، وأصحاب تاريخ حضاري لا مشروع اضطراب، ومكوّنًا سياسيًا يطالب بحقوقه ضمن إطار الدولة ومؤسساتها، لا على حسابها أو على أنقاضها. وهذا النهج أسهم في إعادة الاعتبار لصورة الشيعة كقوة سياسية مسؤولة، تجمع بين الصلابة في الموقف والانفتاح في الأسلوب.
وفي المحافل السياسية والديبلوماسية، كان الرئيس بري مثالًا للزعيم الذي يحسن مخاطبة العالم بلغة يفهمها، من دون أن يتنازل عن ثوابته الوطنية. فحافظ على توازن دقيق بين الدفاع عن قضايا الشيعة ورفض عزلهم أو وضعهم في مواجهة مع المجتمع الدولي. وبذلك شكّل خط دفاع معنويًا وسياسيًا حمى الطائفة من التهميش، وأبعدها عن العزلة، ورسّخ حضورها كشريك أساسي يُحسب له حساب في المعادلات الداخلية والخارجية.
إن إظهار الصورة المشرقة للشيعة لم يكن عند الرئيس نبيه بري مسألة إعلامية أو ظرفية، بل نهجًا سياسيًا متكاملًا قوامه خطاب مسؤول، وسلوك هادئ، وعلاقات دولية راسخة، وإيمان عميق بأن الاحترام الحقيقي يُنتزع بالحكمة والتراكم، لا بالصوت المرتفع أو الضجيج السياسي. ومن هذا المنطلق، اكتسب موقعه كمرجعية موثوقة، وكرجل دولة يعرف كيف يقدّم طائفته للعالم بصورة تليق بتاريخها وثقافتها ودورها الوطني.
في الخلاصة، يمثّل الرئيس نبيه بري حالة سياسية نادرة في الحياة العامة: قوة دولية بلا استعلاء، وحضورًا شيعيًا بلا استفزاز، وصورة مشرقة صاغتها سنوات طويلة من الخبرة والحكمة والتوازن. ومن هنا، يبقى دوره في حماية سمعة الشيعة على المستوى الدولي، وتعزيز حضورهم السياسي والديبلوماسي، أحد أبرز إنجازاته وأكثرها عمقًا وأثرًا، ليس فقط للطائفة الشيعية، بل للبنان ككل.
نبض