انتظام مالي أم تحميل المواطنين كلفة الإفلاس؟ لبنان يدفع الثمن من جيوب الناس

منبر 26-12-2025 | 12:14

انتظام مالي أم تحميل المواطنين كلفة الإفلاس؟ لبنان يدفع الثمن من جيوب الناس

في لبنان، لم يُطرح ما يُسمّى «الانتظام المالي» يومًا كمسار إصلاحي متكامل يعالج جذور الأزمة، بل جرى تسويقه منذ انهيار النظام المالي عام 2019 كأمر واقع لا بديل عنه. 
انتظام مالي أم تحميل المواطنين كلفة الإفلاس؟ لبنان يدفع الثمن من جيوب الناس
تعبيرية (انترنت)
Smaller Bigger

بسّام صرّاف

 

في لبنان، لم يُطرح ما يُسمّى «الانتظام المالي» يومًا كمسار إصلاحي متكامل يعالج جذور الأزمة، بل جرى تسويقه منذ انهيار النظام المالي عام 2019 كأمر واقع لا بديل عنه. خطاب تقني مُنمّق، تتقاسمه الدولة والمصارف ومصرف لبنان، يُقدَّم للرأي العام بوصفه ضرورة حتمية، فيما يخفي في جوهره خيارًا سياسيًا واضحًا: نقل كلفة الانهيار من مراكز القرار والمسؤولية إلى جيوب المودعين، وكأن الخسارة تحوّلت من نتيجة فشلٍ بنيوي إلى «حق مكتسب» للنظام نفسه.

منذ اندلاع الأزمة، لم تُعامَل الودائع كحق ثابت تحميه القوانين والدساتير، بل كأرقام قابلة لإعادة التفسير والتأجيل والاقتطاع. تجميد الحسابات، القيود غير القانونية على السحوبات، الاقتطاعات غير المعلنة، وتذويب القيمة الفعلية للأموال بفعل تعدد أسعار الصرف، قُدِّمت جميعها تحت عناوين فضفاضة مثل «خطط إنقاذ» و«معالجة استثنائية». غير أن أي مسار يبدأ بكسر الثقة لا يمكن أن يقود إلى تعافٍ حقيقي، بل إلى تعميق الانهيار وضرب أسس الاقتصاد النقدي والائتماني، وتدمير العلاقة بين المواطن والنظام المالي.

إعادة الهيكلة: العدالة شرط لا تفصيل
الانتظام المالي الحقيقي لا يتحقق عبر شطب الودائع أو تحميلها الجزء الأكبر من الخسائر، بل عبر مقاربة شاملة تعيد الاعتبار لمفهوم العدالة المالية. وفي صلب هذه المقاربة، تبرز مجموعة مبادئ أساسية:
تحميل المسؤوليات لمن راكم الأرباح في النظام المالي خلال سنوات الازدهار، لا لمن أودع تعبه ومدخراته.
مساءلة شفافة للدولة، ومصرف لبنان، والمصارف التجارية، بعيدًا عن المعالجات الانتقائية أو التسويات السياسية.
وضع آلية واضحة ومعلنة لاسترداد الأموال، تضمن عدم تحميل الحلقة الأضعف كلفة الإفلاس، وتُعيد الاعتبار لدولة القانون.

أي إعادة هيكلة لا تنطلق من هذه المبادئ تتحول تلقائيًا إلى عملية نقل خسائر، لا إلى إصلاح.

إدارة الانهيار بلغة إصلاح
المسار المعتمد اليوم يسير في الاتجاه المعاكس. فالحلول المطروحة تُختصر بإجراءات تصيب المودعين مباشرة، وتُغلَّف بخطاب تقني يوحي بالحتمية، فيما هي في جوهرها إدارة صامتة للانهيار لا أكثر. النتيجة واضحة: استنزاف مباشر للمدخرات، تآكل إضافي في الثقة، انكماش اقتصادي مستمر، وتراجع غير مسبوق في دور القطاع المصرفي كوسيط ائتماني.

الخطورة لا تكمن فقط في الخسائر المالية، بل في تحويل الاستثناء إلى قاعدة، وكسر مفهوم الحقوق المكتسبة، ما يهدد أي محاولة مستقبلية لإعادة بناء اقتصاد مستقر وقابل للنمو.

دروس لا تُقرأ
تجارب دولية عدّة، أبرزها اليونان بعد أزمة 2010، تُظهر أن حماية حقوق المودعين ومحاسبة القطاع المصرفي كانت في صلب أي مسار تعافٍ جدّي، رغم قسوته. تجاهل هذه المبادئ لم يؤدِّ يومًا إلى استقرار، بل إلى إطالة أمد الأزمات وتعميق الكلفة الاجتماعية. لبنان، من دون مقاربة مشابهة، يعيد إنتاج أزمة الثقة مع كل محاولة إصلاح شكلية.

استعادة الثقة: ضرورة لا خيار
استعادة الودائع ليست مسألة تقنية أو ظرفية، بل شرط تأسيسي لإعادة بناء العقد المالي بين الدولة والمواطنين. اللبناني لا يطالب بامتياز، بل بحق بديهي: ألّا يُموَّل إفلاس الدولة من مدخراته، وألّا تُسمّى هذه الإجراءات إصلاحًا فيما آثارها ماثلة في كل تعامل مالي.

أي خطة لا تضع حقوق المودعين في صلب أولوياتها، ولا تُرفق بخطوات إصلاحية واضحة ومساءلة فعلية، ليست خطة تعافٍ، بل إدارة منظّمة للانهيار. الحل الحقيقي يبدأ بالعدالة المالية، ومحاسبة المسؤولين، وإعادة بناء الثقة،لا بتجميد الحقوق أو التلاعب بالأرقام.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/24/2025 10:00:00 AM
أراد يسوع بيت لحم بدون حواجز ولا قيود. أرادها مدينة تصدّر السلام من هذه البقعة الجغرافية إلى كل العالم.
المشرق-العربي 12/24/2025 12:33:00 PM
القوة مؤلفة من سيارتين إحداهما من نوع هايلكس والأخرى هامر عسكرية
المشرق-العربي 12/25/2025 12:34:00 PM
الداخلية السورية: العملية تأتي تأكيداً على فاعلية التنسيق المشترك بين الجهات الأمنية الوطنية والشركاء الدوليين
المشرق-العربي 12/25/2025 1:41:00 PM
العلاقات السورية - الإسرائيلية معقدة، ولم يتمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاقية أمنية رغم المساعي الديبلوماسية.