‏ريمون مرهج

‏ سأله القدر: من هي؟ وكيف حالك بعد غربة فرضتها عليك؟ 
‏ أدار ظهره، ونظر نحو الأفق، ثم قال: هي الرمق الذي به أحيا بقوة وكرامة. يحيا جسدي وروحي تفنى شيئاً فشيئاً كلما زادت أيام الفراق عني. نظرة من عينيها تسكب في أعماقي شلالاً من البهجة والحياة. هي ليست كباقي النساء، وأنا لا أتحدث عن امرأة عادية. إنها ملاك لروحي يرشدني نحو الصواب، ويعطيني الدفع والصبر في اللحظات الصعبة. نقية هي طاهرة شفّافة، سيّدة أنيقة مؤمنة طيبة. لا يعنيها المظاهر والترف في هذه الدنيا، وهمّها الكبير أحباؤها واحترام الإنسان ونثر القيم والمحبة والعفة في مجتمعها. حينما تتحدّث ترفرف كلماتها فوق صدري فراشات ناعمة تبلسم الجراح، وتضم فؤادي بأنوثتها الخلابة، وبحسنها الآسر، فأشعر بدفء أسيل لطيف يرضي روحي في رحلة العمر. ابتسامتها بريق أمل لمتشرّد ضائع تائه في صحراء، وقد لمحت عيناه واحة الخلاص بعد العطش والعذاب. حينما يهدل شعرها مع نسيم الهواء أشاهد أمامي طفلة فاتنة بريئة تعدو وتركض فرحة على مرج من الأزهار. هي مداد قلمي في لحظات الوحي والإلهام، هناك حيث نقترب من السماء ونحن جالسين على الأرض. هناك نلتقي، وأمسك بأصابعها الصغيرة الناعمة، فأغدو طفلاً مثلها لا يبالي لأي أمر في هذا العالم، ولا ينشغل باله بأي حدث في هذه الدنيا؛ فهما الآن معاً في عالمهما، في موطنهما بروح واحدة، وقد تخطيا كلّ ما في الأرض وبشرها، وأصبحا هناك في البعيد حيث يرقدان بسلام.

التفت نحو القدر ثم أردف قائلاً: مهما أقصيتها عني، ومهما أبعدتها عن مقلتي، فما بيننا يتخطى الأجساد والأمكنة ولا يحده زمن أو عمر. ما بيننا لا تستطيع أنت أيها القدر أن تتحكم به، لأننا روح واحدة برابط واحد يتنشق عبير السموات وينمو بنورها. وكلما تاق أحدنا للآخر، نظر إلى الأفق، ونحو الفضاء، فيرى طائر روحهما يرفرف لهما، ويغرد مبتسماً فرحاً: أنا هو، وهو أنا.
‏
‏
‏