على حافة الانفجار: الضربة على إيران وامتحان الصمود اللبناني
أكرم بزي
لم يعد الحديث عن توجيه ضربة ثانية لإيران مجرد سيناريو نظري أو أداة ضغط سياسي، بل أصبح جزءاً من معركة مفتوحة على شكل النظام الإقليمي نفسه. فالانتقال من سياسة الاحتواء إلى منطق الضربات المتكررة يعني أن الصراع دخل مرحلة أكثر خطورة، بحيث لم يعد الهدف تعديل السلوك، بل كسر المعادلات التي حكمت التوازنات خلال السنوات الماضية.
الضربة الثانية، إن حصلت، لن تكون مجرد عملية عسكرية محدودة. جوهر النقاش اليوم يدور حول ما إذا كان الاستهداف سيبقى في إطار تقويض القدرات العسكرية والتقنية، أم أنه سيتجاوز ذلك ليطاول بنية النظام الحاكم في إيران. هذا التحول، إن حدث، ينقل المواجهة من صراع محسوب إلى صدام مفتوح، ويضع المنطقة بأكملها أمام مرحلة لا يمكن ضبط ارتداداتها بسهولة.

الرهان على استهداف النظام يقوم على فرضية أن المشكلة لم تعد في الأدوات العسكرية بحد ذاتها، بل في القرار السياسي الذي يستخدمها ويوظفها إقليمياً. غير أن هذا الخيار يحمل مخاطر جسيمة، لأنه يدفع الطرف المستهدف إلى التعامل مع المواجهة باعتبارها معركة وجود، ما يفتح الباب أمام ردود غير تقليدية وتوسيع ساحات الاشتباك.
في هذا السياق، يصبح الإقليم كله ساحة واحدة للتأثر، لكن ليس بدرجة متساوية. فالدول التي تمتلك تماسكاً داخلياً ومؤسسات فاعلة تستطيع امتصاص الصدمات، فيما تتحول الدول الهشة إلى مسارح مفتوحة لتصفية الحسابات. وهنا تحديداً يقف لبنان في موقع بالغ الخطورة.
لبنان يدخل هذه المرحلة وهو في أضعف حالاته منذ قيامه: انهيار اقتصادي خانق، شلل سياسي مزمن، وانقسام حاد حيال القضايا السيادية الكبرى. في ظل هذه المعادلة، لا يحتاج لبنان إلى أن يكون طرفاً مباشراً في أي مواجهة كي يدفع الثمن. يكفي أن يكون ضعيفاً ومنقسماً ليصبح عرضة لكل ارتداد.
الأخطر من التهديد الخارجي هو العجز الداخلي عن إنتاج موقف وطني موحد. فالصراعات الإقليمية لا ترحم الدول التي تدخلها متصدعة من الداخل. استمرار الخلافات اللبنانية كأن البلاد خارج الزمن الإقليمي، أو التعامل مع التطورات الكبرى بمنطق المناكفات الداخلية، وصفة مؤكدة لتعميق الكارثة.
في هذه اللحظة بالذات، يصبح التفاهم بين المجموعات والقوى اللبنانية ضرورة سياسية وأمنية، وليس خياراً مؤجلًا. التفاهم لا يعني التطابق، ولا إلغاء الخلافات، بل الاتفاق على حد أدنى من المصالح العليا: حماية السلم الأهلي، منع الانزلاق إلى الفوضى، وتوحيد الخطاب في مواجهة الضغوط الخارجية.
الصمود في المرحلة المقبلة لن يكون بشعارات عالية السقف ولا بإنكار موازين القوى، بل ببناء جبهة داخلية متماسكة قادرة على إدارة المخاطر وتقليل الخسائر. لبنان لا يستطيع تغيير مسار الصراع الإقليمي، لكنه يستطيع أن يقرر كيف يواجهه: إما دولةً متماسكة تحمي مجتمعها، وإما ساحةً مفتوحة يدفع شعبها ثمن خيارات لم يصنعها.
الخطر الحقيقي اليوم ليس في احتمال اندلاع مواجهة كبرى فحسب، بل في أن يدخل لبنان هذه المرحلة بلا تفاهم داخلي وبلا رؤية مشتركة. عندها، لن يكون ضحية الصراع فحسب، بل ضحية انقسامه أيضاً.
نبض