منال: أم وأمة
سعد نسيب عطاالله
منال سيدة سورية، عمرها اليوم 31 ربيعاً، تزوجت في سن الرابعة عشرة. تنتسب إلى عائلة كريمة، خرج من رحم والدتها تسعة أطفال، إناثاً وذكوراً، سبعة منهم اليوم على قيد الحياة، واثنان أودت براميل بشار الأسد بحياتهما، ما أدى إلى ندوب دامية، وعميق الأحزان، وذكريات أليمة في قلوبهم جميعاً، حيث لا تفارق كلماتهم الغصة، وعيونهم الدموع والألم.
تتشكل عائلة منال اليوم من أربعة أبناء، وطفلة، التي هي نبضة قلب والدتها، وتتردد معها خفقات الذكور الأربعة.
لا يمكن اعتبار منال نازحة سورية، كما الكثيرات من بنات وطنها اللواتي تركن الوطن هرباً من جور نظام الأسد الظالم، لأنها أتت إلى لبنان قبل قيام الثورة مع زوجها، بحثاً عن لقمة العيش، مباشرة بعد اقترانهما.
كانت تشكو منال في البداية من شوقها الدائم إلى والديها وأفراد عائلتها، وتعيش حياة طبيعية بسيطة. لكن فقدانها أخوين لاحقاً، جعلها تعيش في جهنم اللوعة، والفقدان، وكوابيس الأحزان.
لم تتوقف الأيام اللاحقة عن تحويل حياة منال مع فلذات قلبها، أولادها، من حالة الاستقرار المعيشية المقبولة، إلى وضعية اللاستقرار المعيشي اليومي، لأن رفيق دربها، سلك طرقاً ملتوية بعد عشرته أبناء السوء، وتحول إلى مدمن على المخدرات، ثم إلى مروج وتاجر للمخدرات مع المدمنين، من بعض أبناء الجالية السورية النازحة، ما أوقعه في فخ القوى الأمنية اللبنانية، لكنه توارى عن الأنظار، وأصبح مجهول المكان لزوجته ولأفراد عائلته.
شكلت المشاكل المتراكمة على منال عبئاً ثقيلاً، لكن إحساسها العميق بالمسؤولية العائلية، جعلها امرأة حديدية، تقاسي الوحدة وغياب المعيل الوحيد، دون غياب الابتسامة عن وجهها بحضور أولادها، باحثة عن العمل في المنازل، دون ملل ولا كلل، ما أدى إلى إرهاق صحتها، لكن إرادتها القوية أبقت على نشاطها اليومي من الفجر إلى النجر، تلوذ برب العباد وعطفه ورحمته.

لا تستطيع منال العودة إلى أهلها، لأنهم نازحون مقيمون في الأردن المجاورة لمكان إقامتهم في سوريا.
لا يمكننا القول إن قصة منال هي حكاية بؤس وفقدان أمل، بل قصة امرأة تزوجت في سن الطفولة، وتقاسي الحياة بجرأة، وعنفوان، ومثابرة قل نظيرها عند كثيرات من النازحات السوريات، وهي أم عاطفية وعطوفة، وأمل بقاء سوريا على مر الأجيال.
نبض