ريمي الحويك

لِمَ تقف طويلاً عند أبواب الغيم ولا تنزل؟
مِمَّ تخشى يا مطر؟
أهو خوفك من أرضٍ أثقلها التّعب، أم حذرُك من قلوبٍ لم تعد تعرف كيف ترفع عينيها إلى السّماء؟
الأرض تحتك ليست تراباً فقط، بل جسدٌ يتألّم.
تشقّقاتها ليست خطوطاً عابرة، بل أفواهٌ عطشى.
الزرع ينتظر كما ينتظر القلب كلمةَ حبٍّ تأخّرت، والآبار تنظر إلى عمقها بخجل كأنّ الفراغ ذنبها.

يا مطر، إن غبتَ، لا تجفّ التربة وحدها، بل تجفّ الثقة أيضاً وتذبل الأحلام الصغيرة.
انزل حيث الجوع أكثر من الخصب، حيث الأرض شاخت من الانتظار، وحيث الأيادي تعبت من الزرع بلا حصاد.
وحين تنزل، لا تنزل بعجلة بل كعلامة عهد، ذكّرنا بأن السّماء لم تنسَ الأرض، وبأن الله لا يترك مخلوقاته وحيدة في القحط.
كُن صوت الطمأنينة حين يصمت كلّ شيء وجواباً حين تتكاثر الأسئلة.
كُن غزيراً بما يكفي لتملأ الآبار، لا لتغرق البيوت.
كُن رقيقاً بما يكفي لتوقظ البذور، لا لتقتلع الجذور.
انزل يا مطر، ليس فقط على ترابنا، بل على قساوتنا. اغسل غبار الأنانيّة عن وجوهنا، وذكّرنا بأننا أبناء أرض واحدة، إذا عطشت عطشنا معها، وإذا ارتوت ارتوينا.
وحين تمتلئ الآبار وتخضرّ الحقول، لا تسمح لنا أن ننسى العطش. اترك في ذاكرتنا أثر الجفاف كي لا نتكبّر على النعمة.
ذكّرنا بأن كلّ فيض هو أمانة، وبأن ما يُعطى من السّماء يُحفظ بالشكر.
لِمَ أنت متردّد يا مطر؟
إن كنت تنتظر إشارة، فها هي أرضنا تناديك، وزرعنا يمدّ جذوره مستجدياً.
انزل يا مطر… فبين قطرةٍ وقطرة، روحٌ تعود إلى الحياة.
انزل يا مطر، وإن تأخّرتَ، يبقى لنا رجاء أنّ من يمسك غيمك بيديه، يمسكنا نحن أيضاً.