سوريا: تعافٍ اقتصادي هشّ وسط قيود مالية ونقدية شديدة
د. علي حمّود
بعد أكثر من عقد على التحولات السياسية والأمنية، يقف الاقتصاد السوري عند مفترق طرق. فبين محاولات جادة للانتعاش، وواقع مالي منكمش يحدّ من أي قدرة فعلية على التعافي السريع، تبدو التحديات أمام الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع ضخمة. فقد أعلن النظام خطة تهدف إلى دعم القطاع الخاص، وتخفيف القيود على النشاط الإنتاجي، إلا أن الفجوة بين الطموحات والإمكانات الفعلية ما زالت واسعة.
تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي السوري فقد أكثر من نصف حجمه منذ 2010، في واحدة من أكبر الانكماشات الاقتصادية المسجلة عالميًا خلال العقد الماضي. ووفق "تقييم الاقتصاد الكلي 2025"، انكمش الاقتصاد بنسبة 1.5% في 2024، مع توقع نمو محدود لا يتجاوز الـ 1% في 2025، إذا تحسّنت إمدادات الطاقة وبيئة الأعمال.
على صعيد الدخل، تراجع نصيب الفرد من الدخل القومي إلى نحو 830 دولارًا، ما يضع البلاد ضمن فئة الدخل المنخفض. كما يشير تقرير Syria Economic Monitor إلى أن 69% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، بينما يعاني 27% منهم فقرًا شديدًا، ما يعكس هشاشة الوضع المعيشي وانكماش القدرة الشرائية على نطاق واسع.

هذا الواقع انعكس مباشرة على المالية العامة، إذ بقي الاستثمار العام عند مستويات منخفضة للغاية، واعتمدت الدولة على الجباية المحلية والرسوم لتعويض تراجع الإيرادات الإنتاجية. ووفق بعثة صندوق النقد إلى دمشق في نوفمبر 2025، فإن السيولة الحكومية "مقيدة للغاية"، وقدرة الدولة على تمويل مشاريع البنية التحتية لا تزال محدودة من دون دعم خارجي أو إصلاحات هيكلية.
ورغم هذه الضغوط، يبقى القطاع الخاص المحرك الأهم لأيّ محاولة انتعاش، حيث أعادت الإجراءات الحكومية الأخيرة، مثل تخفيف الأعباء الضريبية وتسهيل استيراد المعدات، بعض النشاط إلى القطاعات الصغيرة والمتوسطة، وإن كان أثرها محدودًا جغرافيًا وبطيئًا مقارنة بحجم التراجع الاقتصادي.
ويشكل الاقتصاد غير الرسمي تحديًا إضافيًا، إذ يشير البنك الدولي إلى أن أكثر من نصف النشاط الاقتصادي يجري خارج القنوات الرسمية، مدعومًا بتحويلات خارجية أصبحت مصدر الدخل الأساسي لجزء كبير من الأسر. هذا الواقع يحدّ من قدرة الدولة على ضبط السيولة ويضعف فاعلية السياسات المالية والنقدية.
في ما يتعلق بمسارات التعافي، تضع المؤسسات الدولية ثلاثة سيناريوات هي:
1. تعافٍ بطيء (الأكثر ترجيحًا): نمو بين 1% و2% سنويًا مع إصلاحات تدريجية وتحسن محدود في الإنتاج.
2. تعافٍ متوسط: نمو بين 3% و4% إذا تمكنت الحكومة من جذب استثمارات خاصة وتمويلات إقليمية.
3. تعافٍ سريع: يتطلب استقرارًا سياسيًا واسعًا وتدفق تمويل خارجي كبير (سيناريو غير مرجح على المدى القريب).
في المحصلة، يبدو الاقتصاد السوري اليوم هشًا، يراوح ما بين بوادر تحسّن محدودة وضغوط مالية ونقدية شديدة. واستعادة أي قدرة حقيقية على النمو تتطلب إصلاحات عميقة، ثقة واسعة بين القطاعين العام والخاص، وفتح قنوات تمويل مستدامة، وهو ما قد يستغرق سنوات قبل تحقيق أثر ملموس على مستوى المعيشة والنشاط الاقتصادي.
نبض