مزود يسوع
جوسلين مراد
لم يرضَ أن يولد في بيت تحت سقف، بل ولد في مغارة؛
ولا أن ينام في مهد، بل أن يضطجع في مزود.
ولد في مزود من تبن، فأتى المجوس وقدموا له الذهب ليعلنوه ملكاً.
لكن الأرض لم تستقبله استقبال الملوك، مع أنه جاء لينقذها من شقائها.
فهي لا تكرم سوى الفاتحين، الذين شقوا كبدها ليسعدوا بمأساتها.
شطر مولده في بيت لحم قلب التاريخ شطرين، قبل الميلاد وبعده.
وقد جاء إلينا في وقت كان العالم يعيش في ظلمة الأوهام والآثام.
فالنظريات، التي ابتدعها أورفيوس وتغنى بها هوميروس،
لم ترفع العالم الإغريقي، بل هوت به وطمرته في قبر أوهامها.
فامتلأت هياكل أبولو إله الأنوار عندهم بالشرور الآثمة،
وأمست معابد منيرفا آلهة الحكمة عندهم معابد يتلقى فيها الشيطان
فنون الفجور على مسرح "باكوس" إله الخمر.
وسط هذا الليل البهيم، ظهر الإسكندر المقدوني محاولاً أن يرسل
من بين قرنيه نوراً يبدد ظلام ذلك العصر،
فشرع في ضم أفريقيا وآسيا وأوروبا تحت لواء دين واحد،
يسيطر عليه "يهوه" اله أورشليم, ومنيرفا معبودة آثينا،
وأوزيريس سيدة مصر، وبرهما رب الهند. لكن جهوده ذهبت ضياعاً،
فأدرك نجمه الأفول.

ولما خابت أثينا، ظهر نجم روما في الأفق، حين حاولت أن تنال بقوتها
ما لم تنله أثينا بحكمتها. لكن روما ذهبت ضحية قوتها،
وسقطت بفظائع نيرون أسير ذاته.
فإلى متى أيتها الأرض ستبقين تشربين من دماء بنيك؟
لكن ظلمة هذا اليأس تخلّلها ضوء أمل غامض خلال حكم الأشوريين،
كان يجيش في قلب أورشليم الجريحة، منبئاً بقرب مجيء المخلص.
وعندما حل حكم الرومان، دقت ساعة الأزل بمولد يسوع في مزود.
فما أرحم السماء على الأرض! وما أقسى الأرض على نفسها!
قبل ميلاده كانت الأرض تعتقد أن السماء لا تهب بل تطلب،
فكان قدماء المصريون يعتقدون بأن إلههم النيل يطلب منهم كلّ عام أجمل عذراء،
وكان العمونيون يسترضون "مولوخ" إلههم بتقديم فلذات أكبادهم على
ذراعيه المحميّتين بالنار، وكان اليونان الأقدمون يعتقدون بأن ألهتهم تبخل
عليهم بما عندها من نار ونور، لأنها حكمت على برومشيوس بالقيود المؤبدة!
لكن يوم ميلاد يسوع أدركت الأرض أن السماء تعطي وتهب.
تعطينا السلام وتهبنا الحب من طفل مولود في مزود.
مزود يسوع هو درع الأمان في عالم متوحش
مزود يسوع هو ينبوع فرح في وادي الأحزان
مزود يسوع هو قلب السلام في زمن الحرب والكراهية
مزود يسوع هو أشعة الدفء في صقيع الأيام
مزود يسوع هو ذروة النور في الطريق المظلمة
مزود يسوع هو انتصار الحقيقة على الجهل والأوهام
مزود يسوع هو الغنى الحقيقي في عالم باطل.
مزود يسوع هو الحب الشافي من ألم الحياة وجروح العمر.
هو حب مرتفع كالسماء ومتسع كالفضاء!
نبض