البلد الذي يخاف شهداءه: لماذا لا يحتمل لبنان مشروع جبران وفرنسوا؟

منبر 12-12-2025 | 12:36

البلد الذي يخاف شهداءه: لماذا لا يحتمل لبنان مشروع جبران وفرنسوا؟

ليست ذكرى جبران تويني والعميد فرنسوا الحاج مناسبة للحداد فقط، بل اختبار دقيق لضمير وطنٍ يعرف كيف يكرّم الشهداء في الكلام، ويُعطّل مشروعهم في الممارسة. فكلاهما لم يُستهدف كشخص، بل كفكرة: فكرة الدولة حين تكون أقوى من الفوضى، والكلمة حين تكون أعلى من أي سلاح.
البلد الذي يخاف شهداءه: لماذا لا يحتمل لبنان مشروع جبران وفرنسوا؟
الشهيد جبران تويني (النهار)
Smaller Bigger

بسّام صرّاف

ليست ذكرى جبران تويني والعميد فرنسوا الحاج مناسبة للحداد فقط، بل اختبار دقيق لضمير وطنٍ يعرف كيف يكرّم الشهداء في الكلام، ويُعطّل مشروعهم في الممارسة. فكلاهما لم يُستهدف كشخص، بل كفكرة: فكرة الدولة حين تكون أقوى من الفوضى، والكلمة حين تكون أعلى من أي سلاح.

جبران تويني… الصوت الذي اصطدم بسقف غير مكتوب
جبران لم يكن يدوّن رأيًا سياسيًا بقدر ما كان يواجه بنية كاملة قامت على مبدأ بسيط وخطير:
القوة التي لا تخضع للمساءلة، مهما تغيّرت أسماؤها واتجاهاتها، تبقى أقوى من الدولة نفسها.

كان خطابه يعصف بهذا المبدأ، فيطالب بالسيادة كحقيقة لا كشعار، وبالحرية كحقّ لا كامتياز، وبالدولة كمرجعية واحدة لا كشريك متردد بين مراكز نفوذ متعدّدة.
لهذا، لم يكن اغتياله مجرد جريمة، بل قرار بإسكات نموذج مُقلق لكل منظومة اعتادت على تحجيم الدولة.

فرنسوا الحاج… الضابط الذي أراد جيشًا لا يفاوض على دوره
فرنسوا الحاج مثّل معادلة مختلفة:
جيش يُمسك بالأرض لا يستعيرها،
يقود ولا يُقاد،
ويمارس السيادة بدل التكيّف معها.

في بلد اعتاد أن يُوازن بين القوة الشرعية والقوة الخارجة عن الشرعية، كان مشروع الحاج خروجًا عن النصّ.
كان يقترب من لحظة تتغيّر فيها قواعد اللعبة:
جيش قوي يعني دولة قوية،
ودولة قوية تعني نهاية المعادلات الموازية.

ولهذا أصبح استهدافه ليس فقط ضربة لشخص، بل تحذير لمؤسسة بأكملها من أن تذهب أبعد مما يُسمح لها سياسيًا.

من يستفيد من غياب مشروعهما؟

لا حاجة للتسميات؛ الوقائع أوضح من الأسماء:
• هناك من يريد دولة معلّقة بين حدّين:
قوية بما يكفي لتثبيت الاستقرار…
ضعيفة بما يكفي لعدم تهديد نفوذ القوى الموازية.
• وهناك من يفضّل إعلامًا صامتًا،
وقضاءً مقيدًا،
وجيشًا محاصَرًا بالسياسات.
• وهناك من يرى في الفشل المؤسسي فرصة ذهبية لتمديد دوره فوق مؤسسات الدولة.

هذه ليست مصادفات؛ بل بنية قائمة على تعطيل كل ما يشبه الدولة الطبيعية.

الاغتيال المستمر… بأدوات مختلفة

لم تعد الاغتيالات تحتاج إلى متفجرات.
يكفي:
• تعطيل مؤسسة،
• ترويض إعلام،
• خنق قضاء،
• أو ترك جيش بلا قرار كامل،

لتُقتل دولة كاملة من دون أن يُسجَّل ذلك في أي تقرير أمني.

وفي هذا السياق، يصبح السؤال ليس "من قتل؟" بل:
من يستثمر حتى اليوم في نتيجة الاغتيال؟

العهد الذي يستحقهما

تكريم جبران وفرنسوا يقتضي اعترافًا واضحًا:
إن مشروع الدولة ليس قابلًا للتفاوض،
وإن الجيش ليس بندًا في بازار سياسي،
وإن الحقيقة ليست جزءًا من معادلة التوازنات،
وإن السيادة ليست موسماً انتخابيًا.

العهد الذي يليق بذكراهما هو استمرار المواجهة التي بدآها:
مواجهة كل عقلية تعتبر أنّ لبنان يمكن أن يعيش بنصف دولة، أو بنصف سيادة، أو بنصف حقيقة.

الخاتمة
المجد لجبران الذي كتب ما خاف كثيرون أن يفكّروا به،
والمجد لفرنسوا الذي حمل الدولة كما يجب أن تُحمَل،
وأما السؤال الباقي على اللبنانيين فهو:
هل نريد لبنانَ بسيادة كاملة… أم لبنانًا يناسب من خاف من مشروعهما؟

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/10/2025 6:25:00 AM
تحاول الولايات المتحدة تذويب الجليد في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية من خلال "الديبلوماسية الاقتصادية"
المشرق-العربي 12/11/2025 6:15:00 AM
قذائف المزّة والعمليتان اللتان لم يفصل بينهما شهر تحمل رسائل تحذيرية إلى الشرع وحكومته، والرسالة الأبرز مفادها أن القصر الرئاسي تحت مرمى الصواريخ.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:25:00 AM
إنّها المرة الأولى التي تتهم المنظمة "حماس" وفصائل أخرى بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:10:00 PM
شدد على ضرورة منح المحافظة حكماً ذاتياً داخلياً أو نوعاً من الإدارة الذاتية ضمن سوريا كوسيلة لحماية الأقليات وحقوقها.