إيلي معوشي... إلى اللِقاء
البروفسور مارون خاطِر
كاتِب وباحِث
أُستاذي الحبيب،
أتكلم عَنك مِن غيرِ استحقاق … فأنت معلّمي وصديقي ورَفيقَ كَلِماتي وأفكاري.
إيلي معوشي…
يا أنيقَ المظهر واللسان والقلم والقلب.
يا كريمَ النفس والخُلُق، يا غزيرَ الفكر والحبّ والإيمان.
يا خفيفَ الظلّ والطَّيف، يا رفّةً من رفّات أجنحة كتبت العلم والحبّ والصلاة بحبرٍ من نور.
يا محبَّ مريم والأم، يا صديق الطفل وخليل يسوع.
يا ناسكًا مَجَّد الكلمة بين الناس، يا مكرَّسًا لم يُلْبِسْ ثوبًا فكان ديره بيته وكنيسته مدرسته، يا نَسمة طاهرة عفيفة، يا قديسًا بيننا عاش خفيةً ولم يُرِد يومًا أن يُعرَف.
يا حكايةً ومغزىً، ورسولًا للتواضع والمحبّة والخِدمَةِ والتنشئة والصَمت.
إيلي معوشي…
يا أستاذ اللغة والسلوك والأخلاق والتَّربية الحَسَنَة.
يا معلّمًا وأديبًا ومربّيًا استحقّ الألقاب وزَهِدَ بِها.
يا مثالًا بقي راسخًا في عقول وقلوب الألاف من تلاميذه عبر العقود الذين فَلَم ينسوه… وَلَن يَنسوه
حَمَلتَ لِواء الكَلِمة، وتسلّحت بالقلم والحقّ والإيمان… حتى الممات.
نعم… حتى الممات.
دخلتَ في سباقٍ مؤثّر مع الزمن، فخصصت سنيك الأخيرة للكتابة وملأت عشرات الدفاتر أفكارًا وحباً وصلاة.
وبالأمس، قبل ساعاتٍ من رحيلك، استيقظت لِتَكتُب…
رَحَلت كاتبًا ومُفَكِّراً.
رَحَلت واقفًا، لَم تَفقد بوصلة الذاكرة ولا نورَ العَقل وَلَو للحظة.
رَحَلت مِن واحة سلامِك على أرض الشقاء… إلى سماء القدّيسين والعذارى الحكيمات، لِلُقيا العَريس بِسراج ٍمملوءٍ زيتًا وعلمًا ومَحَبةً وتواضعًا وزهدًا وطهارةً وإيمانًا ورجاء.
المَوت الذي لَم يَغدُرك غَدَرَنا قبل أيامٍ فقط من افتتاح المَكتبة التي تحمل اسمك، في مدرسة راهبات القلبين الأقدسين - زحلة الراسية، والتي قَدّمها لك تِلميذك وصَديقك الدكتور إيلي جبّور الذي أعاد جمع تلاميذك من حولك بمحبة ووفاء.
زوّدتنا بِنَفسِك بِنُسخٍ من كتبك وبعيناتٍ من مخطوطاتك… وكأنك كنت تعرف أن الوداع قريب.

كتبت نصَّ كلمتك في يوم التَّكريم الذي انتظرته وَلَم تقرأه.
قَدّمت تراثك وقلبك، ثم رَحَلت بِسلام.
استاذي الحبيب،
شُكراً على كُل ما قَدَّمت لقريتك وَوَطنِك وتَلامذتك وَمُحبيك...
باسم كل من عرفك أقول لك:
لَن يأفل نجمك، ولَن يُسدل ستارٌ على مسيرتك، فأنت في قلوبنا ذَخيرة، وفي أرضِ بلدَتِنا بَرَكَة، وفي وجداننا قدّيس.
وكما قال أبينا القديس مارون: القَداسة هي أن يُصبح القلب هيكلًا لله…
ولقد كان قلبك هيكلًا، وكتابًا مفتوحًا، وصلاةً لم تتوقف....
نُحَمِّلك السلام للمونسنيور معوشي وللأم ماري كريستين الحَبيبَين،
ونصلّي للرب كي تَستريحَ نفسُك مَعَ يَسوع بَين القدّيسين.
لقد زَرَعتَ في الأرض بالروح، فَستحصد حياةً أبدية، كًما قالً بولس الرسول لأهل غلاطية.
المسيح الرَّبُ قام…
وَبِقِيامَتِهِ نَرجو أن ينهَضَ وَجهُكَ مِن وَجَعِ الوَداع إلى نورِ اللقاء.
إلى السماء يا مُعَلّمي… فَقد تَعِبتَ بِما يَكفي، وأحببت بِما يَكفي، وَخَدَمت بِما يَكفي...
لِرُوحك السلام...
المسيح قام!
نبض