المنطقة بين زيارة البابا وإسقاط المثلث "الإخواني" وإلغاء منصب المرشد
عماد جودية
خلافاً لكل ما قيل إعلامياً في لبنان وخارجه عن عدم وجود تنسيق مسبق بين الفاتيكان وواشنطن حول زيارة البابا لاوون إلى كل من تركيا ولبنان، تفيد معلومات دقيقة لا يعلم بها إلا قادة القرار في العواصم المعنية، أن البابا قام بهاتين الزيارتين لا بالتنسيق مع واشنطن فحسب، بل بالتوافق الكلي معها، وذلك قبيل إصدارها القرار باعتبار "الإخوان المسلمين" حركة إرهابية. ومعروف أن رجب طيب أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" هما الرئيس الدولي لحركة "الإخوان" عالمياً.
وزيارة البابا إلى تركيا جاءت لتمهد الطريق لإعادتها تدريجاً إلى وجهها المدني العلماني، وإخراجها من قبضة أردوغان وحزبه الإخواني. تماماً كما حصل مع البابا يوحنا بولس الثاني ودوره في قلب نظام الحكم في بولندا وإيصاله عامل المناجم ليش فاليسا إلى رئاستها عام 1990، الأمر الذي كان أحد العوامل الأساسية التي ساعدت لاحقاً في تعجيل انهيار الاتحاد السوفياتي في 24/12/1991، وقبل ذلك كان سقوط جدار برلين في تشرين الثاني 1989.
زيارة البابا إلى بيروت جاءت بهذا المعنى أيضاً، وهو الرفض الكلي لأن يكون لبنان تحت مظلّة حكم "الإخوان" بشقيهم الشيعي (حزب الله) والسني (منع تأثر أغلبيتهم في الداخل اللبناني مذهبياً بأحمد الشرع ونظامه الإخواني)، وإلى جانبهم المتماهون من المسيحيين اللبنانيين المتشددين الذين ينظر إليهم أيضاً على أنهم "جناح إخواني مسيحي" سيكون مرفوضاً دولياً.
والقرار الأميركي اعتبار حركة "الإخوان" إرهابية لم يأت من فراغ، وهو يمهد الطريق للخلاص تدريجاً من "المثلث الإخواني" الذي يتحكم بالمنطقة، ويمنع عنها الراحة والأمان، والمتمثل بالإخوان الشيعة في طهران، والسنّة في إسطنبول، والمتشددين الصهاينة في تل أبيب، الذين يعبّر عنهم نتنياهو وحلفاؤه من وزراء الأحزاب الدينية المتطرفة. ولهذا رمى ترامب "قشرة موز" للأخير عندما زار إسرائيل قبل شهرين، وتمنى على رئيس كيانها في خطابه أمام الكنيست إصدار عفو رئاسي عن جرائم الفساد المتهم بها. ونتنياهو من جهته "أكل طعم ترامب"، و"زحط بقشرة الموز" التي رماها له، وتقدم طوعاً واختيارياً بطلب عفو خاص من رئيس كيانه ليردّ عليه: "نصدر عفواً عنك مقابل إعلانك اعتزال العمل السياسي، أو دعوتك إلى انتخابات نيابية جديدة بهدف فرز قيادة جديدة معتدلة يختارها مواطنو إسرائيل، لتقودهم وتسيّر شؤون دولتهم بعيداً عن سياسات تطرّف حكومة نتنياهو، التي كانت السبب الحقيقي في تشويه صورة إسرائيل وعزلتها عن المجتمع الأميركي والغربي والدولي، للمرة الأولى منذ تأسيس كيانها عام 1948".
وأبلغ تعبير عن سأم الإسرائيليين من سياسات نتنياهو ووزرائه المتشددين أن مذيع القناة 13 العبرية، شاي غولدن، عندما تقدم نتنياهو بطلب العفو عن نفسه، خاطبه بالقول: "هل تتحدث عن العفو؟ الحقيقة هي أننا نحن من نحتاج إلى عفو منك ومن قبضتك على عنق الدولة. قبضتك التي لا تعرف الشبع. امنحنا عفواً من حكمك إلى الأبد".
طهران في المقابل، تحضر قيادتها نفسها لإجراء إصلاحات دستورية واسعة داخل بنية نظامها "الإخواني"، لا تنزع عنه طابعه الديني، ولكن تساعده على التراجع والتخفيف التدريجي من تشدده على كل المستويات الرسمية والسياسية والاجتماعية والرياضية والثقافية والاقتصادية. وقد تكون المفاجأة طلب خامنئي بنفسه من مساعديه وكبار مسؤوليه إدراح بند في هذه الإصلاحات يلحظ "إلغاء منصب المرشد" بعد وفاته، بحجة عدم وجود شخصية قادرة على خلافته ليتحول النظام بعده إلى رئاسي إسلامي منفتح.
إزاء ما تقدم، يصبح الثلاثة معاً، خامنئي وأردوغان ونتنياهو، أمام الامتحان الأصعب، فإما أن يخلعوا عنهم ثوب التطرف ويبتعدوا عن التشدد والعنف القاتل ويذهبوا إلى سياسات الاعتدال والسلام في المنطقة، أو "باي باي يا حلوين"، لأن ترف الوقت انتهى، وبدأ العد العكسي لإقرار التسوية الشاملة التي كانت ستبصر النور مع إسحق رابين زمن حكم الرئيس بيل كلينتون عام 1995، قبل أن يغتاله المتطرفون داخل إسرائيل اعتقاداً منهم أنهم قضوا نهائياً على أي أمل في التسوية في المنطقة. لكن الذي كان يقف وراء إقرار التسوية - لو حصلت بين رابين وحافظ الأسد يومذاك - هو اللوبي اليهودي العالمي الذي بات على اقتناع بأنه لا يستطيع أن يستمر بإحكام قبضته على المسرح الدولي دون حل القضية الفلسطينية وإسقاط نظام الفصل العنصري في تل أبيب وإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي.
نبض