التهرب الضريبي
ميلاد رفقة – باحث اقتصادي
دخل وزير المالية بقوة في مواجهة التهرّب الضريبي: قرار "الحجر الجمركي" يغيّر قواعد اللعبة.
تشهد المالية العامة في لبنان تطوّراً بارزاً مع إعلان وزير المال ياسين جابر عن وجود 4700 شركة تجارية يُشتبه في تهرّبها من دفع الضرائب. الخطوة التي أعادت فتح ملف التهرّب الضريبي على نطاق واسع جاءت ضمن إطار إجراءات حازمة اعتمدتها الوزارة بالتنسيق مع النيابة العامة المالية، في محاولة لرفع مستوى الامتثال الضريبي وتعزيز الإيرادات العامة من دون اللجوء إلى ضرائب ورسوم جديدة.
استجابة سريعة من الشركات: دلالة على حجم التهرّب
بعد صدور قرار "الحجر الجمركي" بحق الشركات المتخلّفة — والذي يقضي بمنعها من الاستيراد والتصدير — سارعت 1800 شركة خلال ثلاثة أيام فقط إلى التصريح عن مداخيلها وتسديد الغرامات المترتبة عليها.
هذه الاستجابة السريعة تعكس:
حجم التهرّب الضريبي الواسع،
فعالية الإجراءات العقابية غير المباشرة،
ووجود قدرة مالية لدى عدد كبير من الشركات لكن مع غياب الالتزام الطوعي.

ربط التهرّب الضريبي بمكافحة تبييض الأموال
أشار الوزير جابر إلى اتفاق مع النيابة العامة المالية لإعداد قائمة سوداء تشمل الأفراد والشركات المتهرّبة، تمهيداً لملاحقتها استناداً إلى القانون 44 الخاص بمكافحة تبييض الأموال.
هذه الخطوة ترفع التهرّب الضريبي من مستوى "مخالفة مالية" إلى "جريمة مالية"، ما يعزز قدرة الدولة على فرض سيطرتها الضريبية.
زيادة الإيرادات وتخفيف الضغط الضريبي
يرى الوزير أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى:
رفع المداخيل العامة.
الحدّ من الحاجة إلى فرض ضرائب جديدة كما يطالب صندوق النقد الدولي.
الإسهام في تحقيق فائض بالموازنة، وهو أمر يعتبره ممكنًا حاليًا بفضل وفرة السيولة بالليرة اللبنانية.
لكن ضخ هذه السيولة في السوق قد يؤثر سلبًا على سعر الصرف إذا لم يُحسن توجيهه، ما يشير إلى حساسية المرحلة النقدية.
ملف المستحقات الخارجية والتزامات الدولة
تواجه الحكومة خلال الأشهر المقبلة تحدّي معالجة المستحقات المالية المتراكمة نتيجة عقود الاستيراد، وعلى رأسها:
عقد الفيول العراقي، الذي يشكل جزءًا أساسيًا من تأمين الطاقة في لبنان.
هذا الملف يحتاج إلى معالجة دقيقة لتجنّب تراكم ديون جديدة على الدولة.
خطوات لتحسين رواتب القطاع العام
كشف الوزير عن اتصالات مع مجلس الخدمة المدنية ووزارة التربية لوضع برنامج يهدف إلى تحسين تدريجي لرواتب القطاع العام في السنة المقبلة.
لكن في ظل الواقع المالي الحالي، يبدو هذا الأمر متعذّراً مرحليًا، ما يعيد النقاش إلى نقطة محورية: ضرورة رفع الإيرادات قبل أي إصلاحات إنفاقية.
إن ملاحقة 4700 شركة متهمة بالتهرّب الضريبي ليست مجرد خطوة إدارية، بل تحوّل مهم في مسار إصلاح المالية العامة. فالتهرّب يكلّف لبنان سنويًا جزءًا كبيرًا من مداخيله، ويشكل أحد أبرز أسباب العجز المستمر.
الاستجابة السريعة للشركات تظهر أن الإجراءات الصارمة قد تكون أكثر فعالية من السياسات التقليدية.
نبض