حذار المفاوضات المباشرة ... مس بالثوابت الوطنية !
عبدالله ناصرالدين
في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، يثبت لبنان يوماً بعد آخر أنه صاحب حق ثابت في الدفاع عن أرضه وشعبه، استناداً إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تضمن حق الدول في الدفاع المشروع عن النفس، وإلى القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن عام 2006، والذي يطالب بوقف كامل للأعمال العدائية، ويُلزم إسرائيل بالانسحاب من الأراضي اللبنانية واحترام سيادتها.
لكن كيان الاحتلال الإسرائيلي، وكعادته، ينتهك هذا القرار بشكل شبه يومي، برًا وجوًا وبحرًا من دون أي مساءلة دولية، في ظل عجز لجنة "الميكانزم" التي أُنشئت لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، عن وضع حد للاعتداءات، ولا سيما خلال عدوان 2024 الذي طال الضاحية والجنوب والبقاع وشرّد الكثيرين.
بدأت "الميكانيزيم" بالبذة العسكرية بشكل كامل وتم تعديلها في 2025 ليترأسها مدني مفوّض من رئيس الجمهورية هو السفير سيمون كرم.
وسط كل هذه الوقائع، يظهر الجدل حول شكل التفاوض مع العدو. فالمبدأ القانوني في لبنان يعتبر إسرائيل دولة عدوة، ويُحظر قانونًا التفاوض المباشر معها دون تعديل تشريعي عبر جلسة عامة لمجلس النواب، وذلك وفق الأصول الدستورية وقانون مقاطعة إسرائيل الصادر عام 1955 والمراسيم المرتبطة به.
لذا، فإن المفاوضات غير المباشرة هي الإطار القانوني والدستوري المقبول، وقد اعتمدته دول عدة عبر التاريخ: كمفاوضات الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية، أو مفاوضات سوريا مع الكيان الاسرائيلي برعاية تركية، حيث تُدار العملية من خلال وسطاء دون أي لقاء مباشر الى أن أصرت إسرائيل وبضغط من واشنطن على لقاءات مباشرة في اذربيجان ولو بعيداً من الاعلام.
في لبنان 2020، حصلت مفاوضات غير مباشرة ترسيم الحدود البحرية التي جرت لأشهر برعاية أمركية، وكان يرأس الوفد اللبناني ضابط في الجيش اللبناني، مع انضمام مدنيين ذوي اختصاص تقني، دون أي لقاء مباشر سياسي مع الوفد الإسرائيلي المعادي.
أما في عدوان 2024، فقد أدار الرئيس نبيه بري مفاوضات وقف إطلاق النار بنجاح، دون خرق السيادة القانونية أو التفاوض المباشر، مراعيًا توازن السيادة والواقعية السياسية.
إن الحديث عن اتفاقات مباشرة مع العدو الإسرائيلي ليس فقط غير قانوني، بل يمس بالثوابت الوطنية والحقوق التاريخية، ويعتبر جرماً يحاسب عليه القانون اللبناني. فلبنان، في كل نضاله، لم يكن يدافع فقط عن أرض، بل عن هوية وكرامة وسيادة. والمقاومة التي حررت، لا يمكن أن تساوم على دماء أبنائها وحقوق شعبها. والسياسة الحكيمة تعرف أن لا شراكة مع العدو، بل حماية من غدره.
نبض