"لم تعرف البشرية... غير 223 سنة سلام"
الاب ايلي قنبر
جاء في الرسالة إلى الكنيسة التي في افسس أن "انظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مفتدين الْوقت لأَن الأَيام شريرة". هل سلكت البشرية بحكمة "مفتدية الوقت"؟ يبدو أنها لم تعرف منذ ملايين السنين "سوى 223 سنة سلام"، ذلك أن الاستعمار لم يمل من خَوض الغزوات للاستزادة من خيرات الآخَرين. هو يستبيح الأخلاق ويتخطى الممنوعات. في أجندته "دائماً هناك حروب ناشطة وحروب قادمة. فترات السلام مفخخة بالحروب والأزمات. ربما الفاتيكان وحده، يقول نصري الصايغ، راهناً فقط، ينهى عن ممارسة العنف، ولو كان يغض الطرف أحياناً كثيرة، على همجية الغرب "الجحيمي". العالم راهناً يعيش عصر القوة. الهدف هو مزيد من القوة. انتهى عصر الاكتشافات الإنسانية. إنها حضارة تُوفّر للإنسانية جحيماً متمادياً من الحروب المتناسلة". لذا، يقول الطرسُوسيّ: "لاَ تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ الظُّلْمَةِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ بَلْ بِالْحَرِيِّ وَبِّخُوهَا". مَن يفعل؟ مَن "يصنع" السلام، غير المرغوب فيه من حفنة "المجمَّعات" العسكريّة؟ من هنا، يخلص الصايغ إلى أن "من حقنا إذن أن نبني حياتنا على واقعية إلزامية: قلْ يومياً وداعاً للسلام. قدر البشرية مأسوي. الإنسان جنون خارق. يبني حضارات ويدمرها بأيديه، صحّ من قال إن أقوى ممالك الوجود، هي مملكة الشر. نحن الضحية والجلاد". لذا، "لا ترفع رأسك يا أخي". قل لجمال عبد الناصر، نحن خدم العسكريتاريا وزعماء الطوائف والمذاهب. طقوس الصلوات ملوثة بدماء المؤمنين الأبرياء". الدَم يُراق سكيباً، لِمَ؟ "السياسة تلبس أحذية صلبة، لدوس الحقائق والقيم والأخلاق". وهذا ما أكّده ࢷوست على منصّة اجتماعيّة: "لا يدخل الغرب بلادنا بالدبابات فقط... بل يدخل عبر العروض المُغرية والمال والجنس والإعلام والمنصّات والغزو الناعم". لينتهي إلى عبرة: "لا تنهزم الشعوب إلّا حين تفقد وعيها وتبيع كرامتها بثمن بخس". فلو أخذنا بالمقولة التالية "اسْلُكُوا كَأَوْلاَدِ نور"، لأثمرنا "ثمر الرّوح (الذي) هو فِي كلّ صلاح وبر وحقّ".

"لاَ تكونُوا أغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الربّ"
الغباء صنو التفاهة وهوعلى أنواع، وهو ميزة من ميزات عصرنا الرقميّ. وقد لاحظ ألبرت آينشتاين أن لا حدود للغباء البشري. لذلك طلب بولس من الأفَسُسِيّين أن "لا يكونوا اغبياء بل فاهمين"، أي مُميِّزين وحاسمين في تبيُّن الغباء في السلوك. و"لعلّ الجواب الأكثر جرأة وقدرة على الإقناع جاء من المؤرخ الاقتصادي كارلو م. شيبولا الذي حذّر في 1976 من خطرٍ وجودي صامت هو الغباء البشريّ. لماذا؟ لأنّ الغباء ليس انحرافاً طارئاً، بل قوّة بنيويّة تعمل بصمت وتُهدِّد التقدّم البشري، كما جاء في مقال له بعنوان"القوانين الساسيّة للغباء البشري".
هو رأى أن "الغباء له منطق خاص، لا يُهزم بسهولة. والمجتمعات التي تنجح ليست تلك الخالية من الأغبياء، بل التي تعرف كيف تقي نفسها من أفعالهم". قد يبدو الغبيّ "مهذباً، ناجحاً، أو حتى متعلّماً، لكن تصرفاته حين تحين اللحظة، تخالف كل منطق وتضر من حوله دون سبب مفهوم". الغباء ظاهرة لا تستثني أحداً "من الأكاديميين إلى العمال، ومن الأثرياء إلى الفقراء". ينشر الغبي "الفوضى بلا سبب، وهو غير مدفوع بكراهيّة أو طمع، بل فقط بقرارات متهوِّرة، غير عقلانيّة". إذًن، لا ينبغي الاستخفاف بضرر الغباء مُطلَقاً وبأنّ الغباء "يحمل شيفرة فوضوية لا تستجيب للعقل أو المنطق". وهذا ما يجعل الغبيّ أخطر من المحتال أو المجرم، إذ يشكِّل "قوة تخريبية صافية" تخترق كلّ البُنى خصوصاً في زمن الرقمنة أسوأ أزمنة الغفلة حيث تنتشر المعلومات الكاذبة كالنار في الهشيم وأسرع من الحقائق، بقوّة المؤثِّرين والانفعال أو اعتماداً على الحدس؛ ويُصعّد الرأي العام شخصيات عديمة الكفاءة؛ ويُتَّخذ القرار السياسي أحياناً بناء على نزوات جماهيرية لا عقلانية". لذا، لا بدّ من عزله وتحييد اثره لنستعيد قامتنا المُنتصِبة.
"وَفي ٱلحال ٱنتصبت وجعلت تمجّد ٱلله"
في المجتمع اليهوديّ المعاصر ليسوع استبدّ رؤساء الكهنة والفرِّيسيّون والكتبة وأخضعوا الجموع لمشيئاتهم عبر التفاسير التي تُحمِّلهم أثقالاً رزحوا تحتها. والمرأة المنحنية التي أرجعها يسوع "منتصبة القامة" هي رمز لشعب الشريعة الرازح تحت ثِقَلها حتّى الساعة، لكثرة القيود التي وضعها أولئك الرؤساء. وفي الكنيسة مَن يُشبه ذاك الشعب اليهوديّ حين تقع نحت نير الحرف القاتل. هي اعتادت على وضعيّة الانحناء حتّى الإمِّحاء ولم تطلب - على غرار المرأة المنحنية - من المسيح أن تعود إلى حالتها الأولى، حالة السيّدة الحرّة المرفوعة الرأس. يسوع "وضع يده" على المرأة المنحنية وَقالَ لَها: "يا ٱمرَأَة، أَنتِ مُطلَقَةٌ مِن مَرَضِكِ. وَفي ٱلحالِ ٱنتَصَبَت وَجَعَلَت تُمَجِّدُ ٱلله". يسوع "وضع يده" على جميعنا في فصحه، لكن منّا مَن أبى حتّى الآن أن يستجيب حركته التحريريّة، رزاحاً تحت ثِقَل العبثيّة والانهيار المُجتمعي وسقوط منظومة القيَم. فإلى متى؟
نبض