لبنان: نبوءة سلام لكلّ المشرق… فمن يحمل عصا الرعاية؟

منبر 05-12-2025 | 11:29

لبنان: نبوءة سلام لكلّ المشرق… فمن يحمل عصا الرعاية؟

منذ أكثر من ثلاثة عقود، كتب غسان تويني في افتتاحيته الشهيرة في جريدة النهار بتاريخ 27 شباط 1995، تحت عنوان "لبنان الحرب المقيمة… والسلام التائه؟"، تلك الصرخة التي لا تزال تختصر أزمة لبنان حتى اليوم:"الحرب — الحرب الحقيقية — هي هنا، في أرضنا اللبنانية وعليها؛ والسلام الحقيقي… يجب أن يكون قرارنا نحن. فليبلّغونا الشروط، وليتحمّلوا معنا مسؤولية الطريق… حتى لا نظل تائهين."
لبنان: نبوءة سلام لكلّ المشرق… فمن يحمل عصا الرعاية؟
من مفاوضات 17 أيار.
Smaller Bigger

رنا فرح 

 

 

 

منذ أكثر من ثلاثة عقود، كتب غسان تويني في افتتاحيته الشهيرة في جريدة النهار بتاريخ 27 شباط 1995، تحت عنوان "لبنان الحرب المقيمة… والسلام التائه؟"، تلك الصرخة التي لا تزال تختصر أزمة لبنان حتى اليوم:
"الحرب — الحرب الحقيقية — هي هنا، في أرضنا اللبنانية وعليها؛ والسلام الحقيقي… يجب أن يكون قرارنا نحن. فليبلّغونا الشروط، وليتحمّلوا معنا مسؤولية الطريق… حتى لا نظل تائهين."
ولعلّ الشعار الذي لخّص الحرب اللبنانية الممتدة بين 1975 و1990 كان مقولته الأشهر:
"حروب الآخرين على أرض لبنان"، وهي عبارة اكتسبت صدقيتها من حجم التدخلات الخارجية في الحرب، رغم عواملها الداخلية الكثيرة.
وفي مقابل هذه الصورة القاتمة، جاءت زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان لتطرح سؤالًا جوهريًا:
من يقود مشروع السلام في الشرق؟
إذ أكّد قداسته أنّ الشرق الأوسط بحاجة إلى مواقف جديدة ترفض منطق الانتقام والعنف، وتتجاوز الانقسامات السياسية والاجتماعية والدينية، وتفتح صفحات جديدة باسم المصالحة والسلام.
وقال مخاطبًا اللبنانيين:
"أنتم شعب لا يستسلم، بل يقف أمام الصعاب ويعرف دائمًا أن يولد من جديد بشجاعة… وصمودكم علامة لا يمكن الاستغناء عنها لفاعلي السلام الحقيقيين. عمل السلام بداية متجدّدة ومستمرة."
ثم أوكل إليهم مهمة صُنّاع السلام قائلاً:
"يجب أن يقوم كلُّ واحد بدوره، وعلينا جميعًا أن نوحّد جهودنا كي تستعيد هذه الأرض بهاءها. وليس أمامنا إلا طريق واحد لتحقيق ذلك: أن ننزع السلاح من قلوبنا، ونُسقط دروع انغلاقاتنا العرقية والسياسية، ونفتح انتماءاتنا الدينية على اللقاء المتبادل، ونوقظ في داخلنا حلم لبنان الموحّد، حيث ينتصر السلام والعدل…"
وأضاف مُذكّرًا بجوهر الرسالة:
"هذا هو الحلم الموكول إليكم، وهذا ما يضعه إله السلام بين أيديكم: يا لبنان، قُم وانهض! كُن بيتًا للعدل والأخوّة! كُن نبوءة سلام لكلّ المشرق!".
لقد حملت هذه الزيارة رمزية كبيرة للبنانيين، إذ وجّه لبنان من خلالها رسالة إلى العالم بأنه ليس "منطقة موبوءة أمنيًا"، بل بلد يمتلك القدرة الأخلاقية والتاريخية ليكون مساحة سلام، لا ساحة حرب.
لكن يبقى السؤال: "هل سيتمكّن اللبنانيون من حمل هذه المهمة أم سيبقون عالقين في المسار ذاته من الدّمار في رعب الحروب؟".
وفي الوقت نفسه، تستمر الضغوط الدولية، ولا سيما الأميركية، بالدعوة إلى نزع سلاح حزب الله من جنوبي لبنان، لتجنّب تصعيد إسرائيلي واسع. وتأتي جولة المسؤولة الأميركية في ظل الضغط الأميركي للتقدم في نزع سلاح حزب الله جنوبي لبنان، والتهديدات من إسرائيل بعمل عسكري واسع مستقبلي إذا لم يحدث ذلك. ومع ذلك، تبقى المعضلة في كيفية التعاطي مع لبنان، إذ لطالما نُظر إليه كدولة تحتاج إلى إدارة أزمات دائمة، لا إلى تمكين قرارها الوطني.



ولعل ذلك يذكرّنا بخطاب قداسته حين توجّه إلى اللبنانببن قائلاً:
"يبدو أن نوعًا من التشاؤم والشعور بالعجز قد ساد حولنا، وصار الناس لا يقدرون حتى أن يسألوا أنفسهم ما الذي يمكنهم أن يفعلوه لتغيير مجرى التاريخ. القرارات الكبرى تبدو كأنها تُتّخذ من قِبل قلّة من الناس، وأحيانًا على حساب الخير العام."
ثم أضاف:
"لا توجد مصالحة دائمة بدون هدف مشترك… ولا تولد ثقافة المصالحة من القاعدة فقط، بل تحتاج أيضًا إلى السلطات والمؤسسات التي تعترف بأنّ الخير العام فوق خير الأطراف."

أما غسان تويني، فقد صاغ جوهر المأزق اللبناني بأعمق عبارة في مقاله: "لبنان الحرب المقيمة... والسلام التائه" حين قال: 

"قضية الجنوب ليست قضية داخلية، ولا هي قضية رأي عام لبناني نستخف به فنسترضيه بكلام السفراء - عندما تنضب تصريحات الوزراء وعنترياتهم - علّها تبلسم جروح النفوس لعجزها عن مقاربة جروح الأرض، فكيف بمداواتها؟ الجدّ هو هذا:
"ونحن يئسنا من أن نكون هناك، ساعة المفاوضة، مسموعي الصوت والكلمة. فهل أقل من أن نجرؤ على التذكير بأن الحرب - الحرب الحقيقية - هي هنا، في أرضنا اللبنانية وعليها... وأن السلام الحقيقي المتخذ في شأنه قرار استراتيجي، هنا، عندنا يجب أن يكون قراره... فليبلّغونا الشروط، على الاقل، وليتحمّلوا معنا مسؤولية الطريق، بل مسؤولية الأرض والناس، حتى لا نظلّ تائهين كاليهودي التائه في الرواية العتيقة... الحرب على حسابنا، والسلام كذلك... وإذا جاءت الحرب في غير وقتها الاستراتيجي، اتهمونا غداً بتعكير المياه (وكأنها كانت صافية!) ويكون جزاؤنا حرمان السلام... وإذا جاء السلام ونحن لا نزال نطرب لأناشيد الحرب، عاقبونا كذلك، بالحرمان إياه، لأننا لم نطلب من أحد سلاماً. فكيف يعرفون، يا ترى، ماذا نريد ونحن لا نعرف ولا نقول؟". 
من هنا، لم يعد السؤال عمّا إذا كان لبنان قادرًا على البقاء، بل عمّا إذا كان يمتلك القرار في الحرب والسلم.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 12/3/2025 12:22:00 PM
لا بد من تفكيك شبكات التمكين الإسلامية داخل الجيش السوداني، وعزل قادته الموالين للإخوان... فهذا شرط أساسي لأي دعم دولي لعملية السلام.
المشرق-العربي 12/3/2025 12:18:00 PM
ياكواف كاتس، وهو أحد مؤسسي منتدى السياسة MEAD، والباحث البارز في JPPI، ورئيس تحرير السابق لصحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، يجيب عن هذه الأسئلة في مقال له، ويشير إلى الفوارق بين الماضي والحاضر.
المشرق-العربي 12/3/2025 2:17:00 AM
يطالب القرار إسرائيل بالانسحاب الكامل من الجولان
سياسة 12/4/2025 10:43:00 AM
أمرت الحكومة العراقية بتجميد جميع أموالهم وأصولهم...