صمت المراسم يتحدث: البابا في لبنان... والكيدية السياسية تفكك رسالة الوحدة

منبر 04-12-2025 | 20:27

صمت المراسم يتحدث: البابا في لبنان... والكيدية السياسية تفكك رسالة الوحدة

خلف هذا المشهد الروحاني، تحول الاستقبال إلى ساحة لتصفية الحسابات الداخلية
صمت المراسم يتحدث: البابا في لبنان... والكيدية السياسية تفكك رسالة الوحدة
البابا لاوون الرابع عشر (نبيل اسماعيل)
Smaller Bigger

بقلم نانسي اللقيس 


لم يكن وصول البابا لاوون الرابع عشر إلى بيروت حدثاً دينياً عابراً، بل شكل لحظة مفصلية وكاشفة وضعت الكيان اللبناني الهش تحت مجهر الرمزية الكاثوليكية العليا. جاء الحبر الأعظم برسالة سلام ووحدة، مؤكداً خصوصية لبنان كـ"مكان للتعدد والعيش المشترك"، ومُلامساً جراح أمة أنهكتها الانهيارات والصراعات الفئوية. في الشوارع والكنائس، كان المشهد صادقاً وعفوياً، يعكس عطش الشعب إلى صوت يخرج من خارج دائرة المصالح اليومية الضيقة، في تناقض صارخ مع الصورة التي قدمتها الطبقة السياسية.

 

خلف هذا المشهد الروحاني، تحول الاستقبال إلى ساحة لتصفية الحسابات الداخلية، مُحوّلاً فرصة الوحدة إلى برهان على الحقد السياسي المستشري. الملاحظة الأبرز التي كشفت عمق هذا الانقسام كانت إقصاء رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع من مراسم الاستقبال الرسمية المتقدمة. خطوة لم تكن مجرد خلل بروتوكولي، بل كانت قراراً مقصوداً ومحسوباً، هدفه الواضح إعادة ترتيب المشهد المسيحي الرسمي بعيداً عن إرادة أكبر لاعب حزبي في البلاد.

 

لم تفلح التبريرات الرسمية التي استندت إلى "بروتوكول الدعوات" في إقناع المراقبين، لأن اللبنانيين يدركون أن قواعد المراسم في دولتهم تُفصّل حسب المصلحة. هذا التهميش لم يكن صدفة، بل جاء تعبيراً عن كيدية سياسية ورغبة لدى الجهات المنظمة بتهميش دور المعارضة في لحظة تحمل أقصى درجات الرمزية. وقد تعززت هذه القراءة الانتقائية للبروتوكول مع ملاحظة حضور شخصيات لا تحمل صفة دستورية رسمية، كأولاد وأصهار رئيس مجلس النواب نبيه بري، ضمن الواجهة الرسمية. هذا التناقض كشف أن الترتيبات لم تكن لخدمة البروتوكول بقدر ما كانت لخدمة النفوذ وتكريس سيطرة المنظومة على المشهد العام.

 

هذا الإقصاء لم يكن نابعاً من كيدية فردية فحسب، بل جاء ضمن استراتيجية أوسع تبنتها بعبدا لَلَجْمِ محاولات عزلها السياسي، مستفيدةً من وهج الزيارة لترسيم حدود نفوذها. فإذا كان الهدف الظاهر هو فرض بروتوكول صارم، فالهدف الباطن كان تأكيد شرعية المحور الحاكم، وهو ما انعكس أيضاً في نجاح حليفها، حزب الله، بفرض حضوره كجزء أصيل من النسيج اللبناني، مُفشلاً مساعي وصفه بأنه خارج هذا النسيج. لقد اعتُبر هذا الاستبعاد إهانة لا تطال شخص جعجع فحسب، بل شريحة واسعة من المسيحيين الذين يرون فيه ممثلاً أساسياً لهم، ليصبح الحدث دليلاً إضافياً على أن الطبقة الحاكمة لا تزال تتعامل بعقلية "من معي ومن ضدي" حتى في حضرة رأس الكنيسة الكاثوليكية.

 

هنا تكمن المفارقة المرة: البابا جاء ليقول إن السلام خيار ومسار، لكن السلطة أثبتت أن كل مناسبة هي فرصة لإظهار التفوق والانتقام. كانت رسالة الفاتيكان تدعو إلى المصالحة، بينما كانت الترتيبات المحلية تدعو إلى الاصطفاف. زيارة البابا كشفت حقيقتين متوازيتين: أن اللبنانيين عطشى للسلام ولسياسة نظيفة، وأن الطبقة الحاكمة لا تزال رهينة حسابات صغيرة وكيدية، لا تتردّد في استخدام أي رمز وطني أو ديني لتسجيل نقاط. السؤال الآن: هل تتعلم القوى السياسية من هذه اللحظة، أم تتحول الزيارة إلى حدث آخر يُستهلك وينتهي، فيما يبقى الواقع كما هو منقسم، وهش، وملوّث بالكيدية؟

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/11/2025 6:15:00 AM
قذائف المزّة والعمليتان اللتان لم يفصل بينهما شهر تحمل رسائل تحذيرية إلى الشرع وحكومته، والرسالة الأبرز مفادها أن القصر الرئاسي تحت مرمى الصواريخ.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:25:00 AM
إنّها المرة الأولى التي تتهم المنظمة "حماس" وفصائل أخرى بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:10:00 PM
شدد على ضرورة منح المحافظة حكماً ذاتياً داخلياً أو نوعاً من الإدارة الذاتية ضمن سوريا كوسيلة لحماية الأقليات وحقوقها.
اقتصاد وأعمال 12/11/2025 10:44:00 AM
تكمن أهمية هذا المشروع في أنه يحاول الموازنة بين 3 عوامل متناقضة: حاجات المودعين لاستعادة ودائعهم بالدولار الحقيقي، قدرة الدولة والمصارف على التمويل، وضبط الفجوة المالية الهائلة التي تستنزف الاقتصاد