جان-كلود سعاده

النهوض بالاقتصاد اللبناني وجذب الاستثمارت الخارجية وإقناع المغتربين مرّة أخرى بجدوى العودة إلى الوطن، ولو اقتصاديّاً، مسألة في غاية الأهميّة. لكنها تتعدّى مجرّد تغيير "السرديات" إلى وضع الإستراتيجيّات الرُؤيويّة والجريئة للخروج من الحالة الحاضرة.

فوضع رُؤية اقتصادية جديدة للبنان يسبق في التسلسل المنطقي للأمور أيّ مؤتمرات وأيّ دعوات مرتبكة للاستثمار.

الاستثمارات تأتي لاحقاً لتجد مكانها من ضمن توجّه عام استراتيجي واضح وفي إطار خريطة طريق مفصّلة المعالم والأهداف، ومن ضمنها السياسات التي سوف توصلنا إلى تحقيق هذه الأهداف، بعد أن يكون قد تكوّن لدينا وضوح تام عن ماهيّة القطاعات التي نريد إنشاءها والتركيز عليها والأساليب التي سنعتمدها لإخراج القطاعات من حالة المراوحة في الماضي وأساليبه القديمة، إلى عالم المستقبل.
نتفهّم حاجة الحكم والحكومة- وقد تجاوزت الأخيرة منتصف عمرها الافتراضي- إلى إقامة مؤتمرات لإظهار التزامها ما وعدت به، لكن ما يُقلق هو أن تبقى هذه المؤتمرات في خانة العلاقات العامّة ولا تصل إلى مرحلة السياسات العامّة التي تحدد دور البلد في المنطقة والعالم وترسم رُؤيته لمستقبل اقتصاده، فتتبعها جميع القطاعات والمجموعات المعنيّة.

هل نريد التركيز مثلاً على قطاعات التكنولوجيا والبرمجيّات أو على الخدمات المالية؟ وكيف نستفيد إلى أقصى حدّ من قطاع المطبخ اللبناني والهندسة والتصميم والمجالات الإبداعية والإعلامية وإنتاج المحتوى وغيرها الكثير؟ وما الأولويات وإمكانات التفاعل الإيجابي بين هذه القطاعات جميعها؟

ما سياسات البلد الزراعية والصناعية؟ وهل يمكن زراعتنا وصناعتنا أن تستمرا وتنافسا بالأدوات والأساليب التي تعود إلى عقود مضت؟  ولمَ هناك حاجة دائمة إلى حل مشاكل الزراعة والصناعة بدل أن تكون هي جزءا من الحل؟

من يتولى التخطيط؟ وكيف نتأكد من حسن التنفيذ وشموليّة الاقتصاد بدءاً من قلب العاصمة وصولاً إلى آخر قرية لبنانية على الحدود أو على الشاطئ؟ وفي المناسبة، هل بقي لدينا شاطئ كما في البلدان الأخرى؟

النهوض الاقتصادي والخروج من حال إلى حال لن يتحققا إلا بتوحيد الرؤية والإستراتيجية وبمشاركة جميع اللبنانيين في صناعة هذا الاقتصاد الجديد، فتبلغ فوائده كل أنحاء البلد، وعندها يصبح للاستثمار والمستثمرين خيارات واسعة للمشاركة والنجاح: من إيجاد المناطق الاقتصادية المتخصصة، إلى تغيير جذري في إدارة قطاعات معيّنة منها الطاقة والنقل والاتصالات، ولا ننسى الصناعة والزراعة. 
فالزراعة مثلاً تعاني كل سنة الإغراق أو الكساد أو فساد المحاصيل ومنافسة البضاعة الأجنبية. ألا يجب أن ننتقل كلّياً إلى زراعات حديثة تتبع حاجات الأسواق المحلية والخارجية وتستعمل التكنولوجيا والروبوتات وترشيد المساحة والمياه والطاقة معاً؟ وفي الزراعة، يمكننا أن نتعلم الكثير من هولندا، البلد الصغير نسبياً والذي يحتل المركز الثاني عالمياً في التصدير الزراعي. 

الاقتصاد الجديد يُبنى على مقاربة جديدة وطريقة تفكير مختلفة وانقطاع عن "ثقافة التشاطر" التي أفسدت العقول والنفوس. وسوف نعرف أننا على الطريق الصحيح لنهضة اقتصادية عندما تتحوّل الحكومة اللبنانية إلى مجلس إدارة "شركة لبنان القابضة" Lebanon Inc، ويصبح كل رئيس بلدية في أبعد قرية مدير شركة ناشئة startup يبتدع الأفكار ويجتهد للمشاركة في المخطط الاقتصادي العام، فيتحوّل من "ريّس" إلى مدير ستارت-أپ يسعى للمنافسة والنجاح ويقدم أفضل المنتجات والخدمات، وبالتالي يؤدي دوره في إطار الرُؤية العامّة والشاملة لبناء Brand Lebanon.