قنبلة اجتماعية مؤجّلة: جيل 18–25 سنـة بين الحرب والهجرة
أحمد دلول
في شوارع ضاحية من ضواحي بيروت، وعلى طاولات
المقهى، يتبادل شباب لبنانيون قصصاً تشبه الخيال: حلم الهجرة بات ضرورة، وإن البقاء هنا لم يعد خياراً واقعياً. جيل الـ 18-25 عاماً يعيش في لبنان اليوم قنبلة اجتماعية محشوة بالخيبات والطموحات، فائضة بالتساؤلات أكثر من الإجابات، وهو جيل يهدد رحيله مستقبل البلاد أكثر مما يدرك كثيرون.
على خط التصاعد: رغبة الشباب في الهجرة
وفقاً لتقرير برنامج Adolescent & Youth التابع لليونيسيف، هناك نحو 1.8 مليون شاب بين سن الـ 10 و24 في لبنان، منهم نسبة كبيرة تراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً. وهؤلاء الشباب يواجهون تداخلاً حادّاً بين الأزمات الاقتصادية، البطالة، وانعدام الأمل.
في بحث أجرته منظمة العمل الدولية، أظهر أن 52٪ من اللبنانيين عندهم رغبة في الهجرة. والأرقام ترتفع عندما نركز على الشباب: حوالى 69٪ من الأشخاص بين 15 و24 سنة يقولون إنهم يرغبون بمغادرة لبنان.
هذه النسبة ليست مجرد تذمّر موقت، بل مظهر من مظاهر أزمة استدامة وطنية.
البطالة والتعليم: عبئان على حلم الوطن
التحديات التي يواجهها الشباب اللبناني ليست سطحية، بل هي بنيوية. كتب شربل صفير في تقرير لمنصة IM Lebanon أن كثيراً من الخريجين لا يجدون عملاً لائقاً. نسبة بطالة الشباب (15–24 سنة) بلغت في وقت من الأوقات 47.8٪ وفق إحصاءات رسمية ومنظمة العمل الدولية.
أما المؤسسات التعليمية فبدورها تعاني: الجامعات الخاصة باتت مرتفعة التكلفة، والجامعة اللبنانية تشهد أزمات بسبب عدم الاستقرار المالي والتقلبات. في الوقت نفسه، بعض الشباب يضطر لترك التعليم لأنه لا يرى فائدة واضحة من شهادة لا تضمن له كرامة العيش أو مستقبلاً واضحاً.
الهجرة ليست ترفاً بل خطة بقاء بالنسبة الى كثير من هؤلاء الشباب. بحسب ما ذكرت صحيفة "نداء الوطن" فإن قرابة 600 ألف لبناني هاجروا في السنوات الأخيرة، بينهم نسبة مهمة من الشباب الجامعي والمحترفين.
ويشرح تقرير من "العربية" أن الشباب لا يرحلون فقط بحثاً عن فرصة مهنية فحسب، بل لأنهم بالفعل فقدوا بارقة الأمل في أن يُعيدوا بناء بلدهم من الداخل.
هذا النزوح المستمر للعقول والطاقات يُشكّل ما يسميه الخبراء "نزيفاً في رأس المال البشري"، وهجرة الأطباء والمهندسين والمبدعين تُفاقم من هشاشة البناء المؤسسي في لبنان.
تبعات على الدولة والمجتمع: ماذا يخسر لبنان؟
هذا الجيل الهارب ليس مجرد أرقام، بل هو مستقبل لبنان. خبراء الاقتصاد والبحث الاجتماعي يحذرون من أن هجرة الشباب المهرة تلحق أضراراً كبيرة بالاقتصاد الوطني. وفق دراسة لـ ( (L’Orient Today
يفقد لبنان سنوياً عشرات آلاف الشباب ذوي التعليم العالي، ما يغيّر التركيبة الديموغرافية ويضعف قدرات التعافي الاقتصادي .
من الناحية الاجتماعية، هناك أيضاً فجوة كبيرة: أولئك الذين يغادرون غالباً ما يتركون عائلات في لبنان. بينما الذين يختارون البقاء يتحمّلون عبئاً مزدوجاً: مواجهة غياب الأمل على المدى الطويل، والعيش في بلد فاقد للفرص.
من يبقى؟ صمودٌ أو استسلام؟
ليس كل الشباب يهاجر. في تحقيق لـ "إندبندنت عربية"، تم تسليط الضوء على فئة كبيرة من الشباب قررت البقاء على رغم الأزمات.
الدافع للبقاء عند بعضهم هو الانتماء العاطفي للوطن، رغبة في عدم التخلي عن الجذور، أو إيمان بتغيير ممكن رغم الصعوبات. لكنّ هذا الصمود يأتي بثمن: البعض يعيش في يأس شبه صامت، يأمل في تحول لكنه لا يرى خطة واضحة من الدولة.
أزمة الهوية والمستقبل: هل لبنان يفقد شبَابه؟
الرحيل الجماعي للشباب يطرح سؤالاً وجودياً: ما معنى "لبنان المستقبلي" إذا لم يكن هناك من يبنيه؟ إذا استمر هذا النزيف البشري، فالدولة لن تخسر عقولاً وأطبّاء ومهندسين فحسب، بل قد تفقد أساساً ديموغرافياً حاسماً لبقائها.
من جهة أخرى، البقاء من دون فرصة حقيقية لا يعني بالضرورة انتصاراً، بل قد يتحول إلى استسلام طويل الأمد. صراع الأجيال في لبنان اليوم ليس صراعاً سياسياً فحسب، بل هو صراع وجودي: بين حلم الهجرة كوسيلة نجاة، وبين معانقة البقاء كرمز مقاومة.
ما الطريق للخروج من هذا المأزق؟
• خيار سياسي واجتماعي: على الدولة أن تعيد الاستثمار في الشباب، من خلال السياسات التي تخلق فرص عمل، وتحسّن من التعليم، وتدعم ريادة الأعمال.
• إشراك المجتمع المدني: منظمات شبابية، جمعيات، مبادرات من الشباب أنفسهم لإطلاق مشاريع محلية صغيرة تتيح للبعض البقاء.
• تعاون دولي: ليس مجرد دعم مادي، بل شراكات تقنية وتعليمية تتيح للشباب تطوير مهاراتهم داخل لبنان، وليس بالضرورة أن يكون مغادرتهم دائماً الحل.
• رصد دقيق للهجرة: عمل دراسات وطنية دورية لمعرفة من يغادر، لماذا، وكيف يمكن تشجيع بعض فئات الشباب على البقاء من خلال تقديم حوافز ملموسة.
خاتمة
جيل الـ 18–25 سنة في لبنان اليوم هو جيل "معلق": ليس بالضرورة مغادراً نهائياً، لكنه يعيش في ترقّب دائم، مع وطأة الهجرة التي تبدو واقعاً لا مفرّ منه، ومع بقاء قاتم بلا ضمانات. لبنان يعاني من نزيف شبابي، والخطر اليوم ليس في من يغادر فحسب، بل في من يبقى من دون أمل ومن يرى وطنه يتلاشَى أمام عينيه. إذا لم يُعطَ هذا الجيل مكانته الحقيقية، فإنه ليس مجرد أزمة اجتماعية، بل قنبلة وجودية تُهدّد مستقبل الوطن.
نبض