عن تجربة سعاد الصباح في الثقافة والشعر والسياسة

منبر 20-11-2025 | 04:50

عن تجربة سعاد الصباح في الثقافة والشعر والسياسة

تركت سعاد الصباح الامتيازات والسلطة والتبرُّج منذ نعومةِ أظافرها، ومشت على طريق الخير والتقدُّم ووراء الحروف...
عن تجربة سعاد الصباح في الثقافة والشعر والسياسة
شاعرة وكاتبة وناقدة كويتية
Smaller Bigger

سعاد الصباح نجمة صبح مشرقية، وصلت الخليج بالمحيط، وغطت بفضائل عطاءاتها المختلفة مساحاتٍ شاسعة مُترامية، بينما سعةُ صدرها حضنت فضاءات بعيدة لا تُدركها إلا العقول الواسعة. فضاءات مليئة بالإبداع وبالفكر وبالإنسانية وبالشعر.

تقول سُعاد: "كُن صديقي" (عنوان قصيدة لها غنتها الفنانة الكبيرة ماجدة الرومي) فأنا ابنةُ الكويت، ابنة الشاطئ، من هنا أبحر أجدادي ثُمّ عادوا يحملون المستحيل. كلماتٌ ليست كالكلمات، فرِمال الشواطئ والصحاري، أعطت سحنتها سماراً ووقاراً، وبساتين الفاو الجارة الخضراء للكويت، أعطت شِعرها ربيعاً طويلاً وأزهاراً.

رُغم مرور كل هذه السنوات من حياة الشيخة الشاعرة الدكتورة سعاد محمد الصبَّاح، لم نعرف بعد من هي بالتحديد؟ وكيف قسىَ قلبها إلى هذه الحدود؟ وما الذي دفعها للوثبِ إلى مساحةٍ مخفية، أو معلومة! خرجت على التقاليد المُتأصلة من دون أن تتنكر لها، وتمرَّدت على رِفعة الجاه إلى لطيف أرفع منه، ودنت سَجداً أمام الكلمة. والكلمة إذا كانت حق، أو تُعبر عن الحق، فهي في الوقت ذاته شقاء وعراك وسجن وإبعاد، وربما مِشنقة.

لا يمكن أن تكون سعاد قد اندفعت إلى هذا الخِضمّ المُتعب القاسي، لولا شغفها بالعلم وإيمانها بسموِ الأخلاق وبتأثير عمل الخير، لأنها ولدت وملعقةُ الذهب في فمها، وهي أبنة الأُسرة النبيلة التي بايعها ربعها القيادة.

ولا شك في أن الايمان ذاته هو الذي دفعها إلى كل هذا العناء والكدّ اللذَين استهلكا سنوات حياتها وأيامها من خلال حملِ متاعب الناس وهموم الشعراء والكتَّاب، وفي التفكير وفي التأليف وفي النشرِ وفي الإبداع، وفي العيش الناشف بين كُتب العلم ودواوين الشعراء، بينما ثروات أسرتها تكفي لرغدِ العيش أجيالاً وأجيال.

 

 

سعاد، فاتنةٌ هرولت ركضاً إلى مساحة الحرية والعطاء والعمل. كم هي محظوظةٌ كويتها بوجودها مع شلَة واسعة من الحكماء والعقلاء والصادقين وأهل الخير. أيتها الشقية الفريدة، قولي لنا: ماذا فعلتِ لتصلي إلى هذه المكانة الرفيعة في قلوب المُتميزين وعند البُسطاء على حدٍ سواء، وهي المكانةُ التي قلَّما وصلت إليها امرأة من قبلكِ؟ أيتها المُتفلتةُ من قيود التكبر والتجبر، والساحرة بصوتكِ قبل قلمكِ: أنثري سرَّ نجاحكِ علَّ السر يُفيد، وألقي وشلٌ من بحر نتاجكِ، وانثريه في فضاء وجودكِ، سينقلبُ الجوَّ رأساً على عقب، وسيفوحُ عطاءك عطراً غاردينياً خاصاً يُحيي القلب والعقل واللسان.

تركت سعاد الصباح الامتيازات والسلطة والتبرُّج منذ نعومةِ أظافرها، ومشت على طريق الخير والتقدُّم ووراء الحروف، وما أدراكم ما كان مُتعِباً البحث عن توليف الحروف في زمنِ الأزمات والخوف. بحث يُثير الفضوليين والمُبغضين، ويُبعد إلى خارج الوطن، وقد يدفع إلى داخل السجون. بالمقابل، فإن صدى بعض العبارات المُنتقاة هزَّ نجوم سلاطين الاستعمار العُتاة، وارتعشت عند ذكرهِا القامات، وألتوَت خواصر المستبدِّين والظالمين الذين تحكَّموا بالكويت قبل استقلالها في عام 1961.

سعاد الصباح، خليجية الانتماء، وعراقيةُ المولِد، ومصرية القلب، ومغربية العقل، ولبنانية التألُّق، وفلسطينية الهوى، وشامية العاطفة. كلَّما ازدادت أيام محياها... كلما اقتربت إلى قلوبنا أكثر فأكثر. وكلما استمعنا إلى صوتها على المنابر وفي الشاشات... كلما ازداد الحنين إليها وانفرجت الذاكرة معها من اختناق الأفق البعيد. آهٍ، كم هي عربيةٌ في الأصل وفي الشكلِ وفي الثقافةِ وفي الصدقِ وفي العنفوان، وكم هي إنسانية تحترم التنوُّع وخصوصيات الآخرين، مُتفتِحةٌ كزهر الياسمين الذي يعطي نشوة عطره من دون تفرقة الى الشمال والى اليمين.

سعاد حبيبة المؤمنين بالقيم، حبذا لو تنبعث مُجدداً بعد العمر المديد إلى مساحة الاستشراف والابتكار، لنستعيد معها بعضاً من ندى الماضي وثراه الخصب، لنزرع فيه بذور المستقبل، علَّها تنبتُ علماً ورخاءً وازدهاراً، وعشب خير يشمخ عالياً بحباتهِ الى ما فوق الحور العموديُ الصبور.

سعاد فراشة سؤدُد عربية، كم نحن بحاجةٍ إليها ولأمثالها، لنقلِ الرحيقِ من برعم زهرةٍ إلى برعمِ زهرةٍ أخرى، لمذاكرة نواة ثمار المعرفة، لتثمرَ خيراً ودواءً وشفاءً ورُقياً ومحبةً ومساواةً من دون تفرقة بين الناس، في وقتٍ كثُر فيه ذُباب النميمةِ والتعصُّب، والذُبابُ لا ينجذب إلا باتجاه أكوام النتانة والعسس. كم نحن بحاجة إليها لتعميم الجلال والوقارِ والجمال في موطني الذي يترنح على مقصلة العذاب المقيتة. كم نحن بحاجةٍ لعذوبةِ صوتها الذي يجذبُ الرقة والذوق والخيال من مسافاتٍ بعيدة، وتسجدُ له الآذان كما يسجدُ المؤمنون لصوتِ الصلاة...

عاشت الثقافة المُنفتحة والمُتحررة ضمانة لاستمرار البشرية على السراط الراقي القويم.

*بعض مما ورد في مداخلة في احتفالية تكريم الشاعرة سعاد الصباح في مدينة الناظور المغربية

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

سياسة 11/18/2025 10:10:00 PM
استهداف إسرائيلي في عين الحلوة... وعدد كبير من الضحايا.
سياسة 11/19/2025 1:59:00 PM
مصادر في المتحف توضح في اتصال مع "النهار" تفاصيل صنع التمثال
سياسة 11/19/2025 7:27:00 PM
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي:  تم تقديم بلاغات بشأن بعض الأهداف الموجودة داخل القرية خلال الأشهر الأخيرة عبر الآلية المخصصة لتنفيذ التفاهمات، لكنها لم تعالَج
مجتمع 11/18/2025 10:59:00 PM
أثناء استكمال المداهمة لمنزل شقيقه المطلوب حسين عباس جعفر، انفجرت عبوة ناسفة كانت مزروعة في بوابة المنزل...