كي لا يردم المستضعفون مع الفجوة المالية

منبر 12-11-2025 | 00:30

كي لا يردم المستضعفون مع الفجوة المالية

الحذر مطلوب، لأن ما يتسرب في موضوع الفجوة المالية لا يبدو أنه يختلف كثيراً عن مشاريع الإنعاش السابقة...
كي لا يردم المستضعفون مع الفجوة المالية
مصرف لبنان (أ ف ب)
Smaller Bigger

من مدة تزيد عن سنة ربما، كتب أحد الظرفاء على صفحته على "الفايسبوك" تعليقاً على موضوع تسديد الودائع يقول:

 

"حسب الترتيب الزمني.

 

أولاً تعود كل فلسطين للفلسطينيين.

 

ثانياً تعود الأندلس للحكم العربي.

 

ثالثاً تعود الودائع إلى أصحابها".

 

صاحب هذا التعليق الظريف هو أحياناً يكون من الضيوف الدسمين في كثير من برامج "التوك شو" في التلفزيونات اللبنانية، رغم أن آراءه غالباً ما تعاكس الكثير من توجه المحطات التي تتبنى، وإن بطريقة ملتبسة، وجهات نظر أصحاب المصارف المتهربين بمعظمهم من تحمل مسؤولية إدارتهم للودائع والساعين دائماً الى رميها على الحكومة والسلطة النقدية تحت مسمى الازمة النظامية.

 

 

وحسناً فعل حاكم المركزي حين رمى إلى العلن فضيحة تحويل 280 مليون دولار من أحد البنوك الكبار الى أحد الأثرياء العرب، بينما كان المودعون العاديون والمستضعفون يئنون أمام المستشفيات وأبناؤهم عاجزين عن متابعة تحصيلهم العلمي في الجامعات، على أمل أن تكشف كل التحويلات والارتكابات ويلاحق مرتكبوها، دعك من فذلكة البعض بأنها قانونية ولكن غير أخلاقية. وقس على ذلك من مآس طاولت اللبنانيين وغير اللبنانيين المقيمين وغير المقيمين، خصوصاً من ادخروا قرشهم الأبيض من عرق جبينهم ليومهم الأسود، معتمدين على سمعة القطاع المصرفي الذي كان درة التاج في الاقتصاد اللبناني، قبل أن تجتاحه سوسة الفساد المحمية من المافيات والميليشيات، خصوصاً في العقدين الأخيرين، حين وقع البلد المأزوم فريسة فائض القوة الفئوية وراعيها الإقليمي في اعقاب زلزال اغتيال الحريري الاب رغم معجزة إخراج القوات السورية من المنتفضين الآذاريين.

 

وغني عن القول أن جميع القوى السياسية الطائفية تواطأت بدرجة أو بأخرى في الإدارة السيئة لتداعيات الأزمة النقدية والمالية والمصرفية.

 

الطريف أن خلطة صاحب البوست الجاذبة والمتكونة من الخبرة الطويلة والاختصاص العالي والخلفية النضالية المطعمة بعفوية لبنانية صادقة، ما زالت تجعله ضيفاً مرغوباً فيه لجذبها الاعلانات ربما، بما فيها وللمفارقة اعلانات البنوك التي عاد معظمها يتصدر الشاشات.

 

والواقع أن بعض هذه البنوك لم يتوقف عن دعم الاعلام الاسود والمرتهن والذي ما فتئ يكرر السردية التي تخفف مسؤولية أصحاب المصارف في الوصول للدرك الأسفل أو تلغيها. علماً أن التداخل بين السلطات السياسية والمصارف كان قد بلغ حداً شكل معه خطراً داهماً على استقلال السلطة النقدية والقطاع المصرفي، مما سهل الطريق أمام تفجر الأزمات وصعّب السبل أمام الحلول، كما جعل استضعاف أكثرية المودعين وتحميلهم العبء الأكبر هدفاً دائماً، خصوصاً بعد تعثر انتفاضة الغضب التشرينية وتعرضها للاختراقات والاعتداءات من الميليشيا المهيمنة.

 

وللمفارقة، فإن عملية تخريب بعض البنوك خلال الانتفاضة كانت مشغولة وقام بها أشخاص لا ودائع لهم. وإذا أضيفت الى بعض عمليات الاقتحام الفردية وبعض الاعتصامات الموقت بعضها على توقيت بعض القوى السياسية، فإن من نتائج ذلك كان ارتفاع منسوب إحباط المودعين واللبنانيين عموماً، إذ كان المعول والمطلوب السعي لتحشيدهم بعمل ديموقراطي جدي، موزون ومتصاعد.

 

هكذا شجع التعثر والإحباط أصحاب المصارف والسلطات النقدية والسياسية على متابعة أدائهم الفاجر على طريقة "إسرح وتمرح" و"يا فرعون مين فرعنك، فرعنت وما حدا ردني"، ودائماً تحت سقف القوة المهيمنة في مفاصل الدولة العميقة وهراوتها وتوجهاتها.

 

فقد مُنع الكابيتال كونترول واستبدل بتعاميم وقرارات غير دستورية وغير عادلة، وشُّرع النهب والدعم الكاذب وشوه القطاع المصرفي ودمرت العملة الوطنية التي كانت فخراً للبنانيين ذات مرة.
هل من جديد يستدعي هذه المقدمة؟

 

وهل الحكم والحكومة وحاكم المركزي أرسوا مساراً آخر يبعث على التفاؤل بحل أزمة المودعين وأزمة القطاع المصرفي واستطراداً بدء عودة الثقة وتنشيط الاقتصاد؟

 

أم أن الشياطين والفراعنة ما زالوا يسرحون في مفاصل الدولة العميقة، رغم مظاهر الجدية في أداء الحكومة وقراراتها، خصوصاً مع استمرار الالتباس والإعاقات في تسليم السلاح وحصره بيد الدولة تمهيداً لحل التنظيم العسكري لـ"حزب الله" وإنهاء الدويلة. إذ لن تؤدي العنتريات الفارغة والمتناغمة إيرانياً سوى الى مزيد من إضعاف الدولة وتعريض الجنوب والبلد عموماً لمزيد من الاعتداءات الاسرائيلية، وصولاً ربما للحرب والدمار والفشل.

 

لطالما نظرنا الى الجانب الملآن من الكوب،إلا أن الحذر مطلوب، لأن ما يتسرب في موضوع الفجوة المالية لا يبدو أنه يختلف كثيراً عن مشاريع الإنعاش الميقاتية السابقة، كما أن نظرية الوديعة المؤهلة عادت لتطل بأشكال أخرى بعد أن استبشرنا باعتماد معيار الوديعة المشروعة، حتى أن وزير المال قال في لقاء تلفزيوني إن هناك ودائع من الليرة إلى الدولار تمت على 1500 بينما كان الدولار 50 ألفاً، وهذا تشويه واستخفاف ويحمل مضمرات، لأن التحويلات بعد الإغلاق المشؤوم تمت بمعظمها في الشهرين الأخيرين من 2019 حين كان الدولار لا يتعدى ألفين وبعضها استمر شهوراً قليلة في 2020. وعلى كل، تتحمل مسؤولية التحويل المصارف والمركزي.

 

كل هذا يؤشر إلى أن الحلول ليست قريبة والأرجح لن تكون عادلة، ولا مؤشر لمساءلات جدية في هذه الارتكابات. فقد مر موضوع تحويل 280 مليون دولار من دون ردود فعل كبيرة وخرج المايسترو رياض سلامة سالماً، ومعظم المتربعين على قمة هرم الفساد السياسي والإداري والمالي يسرحون وبعضهم يتحكمون.

 

إلى أين يقودنا ذلك؟

 

آمل أن نتمكن من العمل على مواجهة ديموقراطية تستحضر مرتكزات القوة الشعبية، من نقابات وهيئات وروابط وجمعيات ومجموعات ناشطة، وأن تلاقيها قوى التغيير الديموقراطي العابرة للطوائف والمناطق والفئات التي عليها المساهمة في استنهاض الحركة الشعبية لمواجهة شياطين الدولة العميقة التي تعوق الحلول وتعمل على ردم الفجوة المالية فوق الفئات الاضعف.

 

ومع أنني لا أعتقد أن الانتخابات القادمة ستكون مفصلية، إلا أنها مساحة للمحاسبة لا يجب تجاهلها، خصوصاً أن رئيس المجلس وأركانه لعبوا دوراً معاكساً في قضية الودائع وفي الاقتصاد عموماً، رغم ترداد نغمة الودائع المقدسة وانضمام الكثير من النواب إلى نادي القديسين.

 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

الأكثر قراءة

اسرائيليات 11/11/2025 1:30:00 PM
يبحث الجيش الإسرائيلي عن بديل لتولي ملف الإعلام باللغة العربية...
الولايات المتحدة 11/11/2025 9:25:00 AM
وفقاً لتقرير للشرطة، عثرت والدة جوناثان ويليت على جثته مقطوعة الرأس.
لبنان 11/10/2025 11:53:00 PM
التحقيق جارٍ حالياً لاستكمال الإجراءات القانونية بناءً على إشارة النيابة العامة الاستئنافية في بيروت.
لبنان 11/11/2025 8:31:00 PM
 عثرت قوات حفظ السلام على صواريخ غير محروسة ونفقين قرب قرية شيحين في القطاع الغربي.