من زهران ممداني إلى لبنان... فكر للتحرّر من نظام الامتيازات نحو دولة المواطنة

منبر 06-11-2025 | 13:45

من زهران ممداني إلى لبنان... فكر للتحرّر من نظام الامتيازات نحو دولة المواطنة

شكّلت نتائج الانتخابات الأخيرة في نيويورك زلزالًا سياسيًا وإعلاميًا من نوع خاص بعد فوز زهران ممداني، الشاب الأميركي من أصول إفريقية آسيوية بمنصب عمدة المدينة.
من زهران ممداني إلى لبنان... فكر للتحرّر من نظام الامتيازات نحو دولة المواطنة
ممداني خطيباً بعد فوزه بمنصب عمدة نيويورك (أ ف ب)
Smaller Bigger

الدكتور سمير حسن عاكوم

 

 

 

شكّلت نتائج الانتخابات الأخيرة في نيويورك زلزالًا سياسيًا وإعلاميًا من نوع خاص بعد فوز زهران ممداني، الشاب الأميركي من أصول إفريقية آسيوية بمنصب عمدة المدينة. غير أن وراء هذه الشخصية الصاعدة يقف عقلٌ فكريّ وفلسفيّ كبير هو والده محمود ممداني أحد أبرز المفكرين الأفارقة المعاصرين الذي أعاد قراءة العلاقة بين الاستعمار والمواطنة والعدالة في دول ما بعد الاستقلال. فكر ممداني بكل عمقه النقدي لا يخصّ أفريقيا وحدها بل يكاد يكون مرآةً صافية لواقعنا اللبناني الغارق في نظام الامتيازات والمحاصصة الطائفية.
في مؤلفاته البارزة مثل Citizen and Subject و When Victims Become Killersيفكّك ممداني البنية العميقة لما يسميه "الاستعمار الداخلي" أي استمرار منطق السيطرة والتمييز داخل الدول التي نالت استقلالها السياسي لكنها بقيت خاضعة لبنى الامتياز القديمة. فالمسألة كما يراها ليست مجرد تحرّر من المحتلّ بل من الذهنية الاستعمارية التي أُعيد إنتاجها داخل مؤسسات الدولة عبر شبكات الولاء والهوية والانتماء الضيّق.

وهنا يلتقي فكر ممداني مع الأزمة البنيوية اللبنانية. فـزعماء ميليشيات الحرب التي فرضت نفسها كقوى أمر واقع تطبق "نظام الطائف" الذي أتى بعد الحرب الأهلية بروحية ذهنيتها الميليشياويّة، شوهت محتواه لصالح الاتفاق الثلاثي الموقع في ما بينها سابقًا. وأعادت توزيع السلطة بين زعماء الطوائف لا بين المواطنين بعد أن أبعدت رجالات الدولة، فحوّلت الدولة إلى اتحاد امتيازات ومحاصصة زبائنيّة بدل أن تكون دولة قانون ومواطنة. وما نسميه اليوم "الميثاقية" لم يعد روح الدستور وبنود مقدمته العشرة بل صار ذريعة لتقاسم غنائم ثروات الوطن بوقاحة قل مثيلها، حتى أصبح لبنان نموذجًا لما يسميه ممداني بـ"ما بعد الاستعمار المأزوم" بلد محرّر شكليًا لكنه خاضع لطبقة سياسية تحكمه بعقلية الوصاية والمزارع.
من هذا المنظار لا يبدو الحل في لبنان تقنيًا أو إجرائيًا بل فكريًا وبنيويًا. أي أنه يبدأ بتفكيك نظام الامتيازات الذي جعل الانتماء الطائفي أقوى من الانتماء الوطني. فالمواطنة كما يطرحها ممداني ليست هوية جامدة، بل علاقة تقوم على العدالة والاعتراف المتبادل داخل دولة تحكمها المؤسسات لا الولاءات. وهي الفكرة نفسها التي يحتاجها لبنان اليوم للخروج من أسر "محاصصة ميليشيات الاتفاق الثلاثي" التي دمّرت كيانيته الجامعة وشرّعت ثقافة "الحق الخاص" ببلطجية أصحابه على حساب "الحق العام" وقدسيته.
إذا كانت تجربة زهران ممداني في نيويورك تعبّر عن جيلٍ جديد يؤمن بالعدالة الاجتماعية والمواطنة العابرة للهويات المغلقة، فإن فكر والده يمنح لبنان فرصة لإعادة التفكير في مشروع الدولة، دولة تحتكم إلى الدستور لا إلى التوافق وإلى الكفاءة والعمل المؤسساتي لا إلى الزعامة الوراثية. فلبنان بحاجة إلى ثورة فكرية لا تقل عمقًا عن ثورة سياسية تستعيد منطق العقد الاجتماعي بدل منطق الإقطاع الطائفي.
ختامًا إن إعادة إعلاء شأن مقدمة الدستور اللبناني بوصفها الميثاق الجامع الذي يعلو على أي نص أو اتفاق أو تفسير مجتزأ ومشوه للدستور ليست مسألة رمزية فحسب بل ضرورة إنقاذية. فالمقدمة التي أكّدت على العدل والمساواة ووحدة الكيان الوطني وحقوق الإنسان ومواثيقها الدوليّة يمكن أن تشكّل بوابة التحرّر من فيروسات الامتيازات والمحاصصة وتمهّد لولادة مشروع الدولة الحقيقية، دولة المواطنة والعدالة والمؤسسات الراعية للإنصاف. 
فلبنان لن ينهض بشعارات الطوائف ولا باتفاقات الظل بل بفكرٍ جديد يعيد تعريف الانتماء الوطني على قاعدة العدالة... ومحمود ممداني وإن كتب عن أفريقيا فقد رسم بعمقٍ خريطة طريق للبنان الغد.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/4/2025 6:56:00 PM
شقيق الضحية: "كان زوجها يمسك دبوسا ويغزها في فمها ولسانها كي لا تتمكن من تناول الطعام".
أوروبا 11/4/2025 7:39:00 PM
يبلغ من العمر 48 عاما ويعمل في شركة LNER منذ أكثر من 20 عاما.
فوز زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك، ليصبح أول مسلم من جيل الألفية يتولى قيادة أكبر مدن الولايات المتحدة