جبيل
ريمون مرهج
تعطرت الشمس من أرز لبنان، فهي على موعد مع القمر الليلة هناك عند شاطئ الفينيق على أقدام مدينة جبيل سيلتقيان. هناك مملكة الحب الأبدي التي غمرت عشتروت وأدونيس وحفرت على صخور قلعتها قصة عشقهما الجبار ووجدهما العظيم في زمن كانت الحروف مدفونة تحت أنقاض المجهول إلى أن بزغ فجر اللغة من بين ركام الصمت، كيف لا وجبيل المدينة مهد الأبجدية والحضارات ونبع الإبداع والاكتشافات. نعم هي فكر وطن اسطفاه الله ليكون من مختاريه. جبيل يا من تكسرت وتحطمت على جلاميدها جيوش وغزاة وسكنت قلبها المحبة والتعاون والعيش المشترك.
في قلعة جبيل تجد التاريخ يتحدث مع الحاضر ويكتب للمستقبل ملاحم القيم والبطولات والكرامة لتكون عبرة للأجيال القادمة. حينما تسير في أرجاء القلعة العظيمة وتنصت إلى السكون تسمع هدير الإبداع وتشاهد لوحات فنية ساحرة نقشتها يد السماء في لحظات الوحي والإلهام.

ميناء جبيل الأقدم عبر التاريخ تخشع له النفوس حينما تزوره وتركع البحار سجوداً لعظمة قدسيته، فمنه أبحر أبناء المدينة نحو المستحيل ليغدوا واقعاً للعالم أجمع.
هي مملكة الحياة والوجود فالرعد والبرق رضعوا القوة من قمم جبالها وحوريات الجمال الآسر خيطت من أصدافها ولؤلؤها ثوباً خلاباً للنفوس وللإنسانية. وبين ربوع أهلها سكنت الحكمة ونمت حتى غدت مارداً يطوف الأرجاء الاربعة ناثرة المنطق والعدالة والبصيرة في عقول البشر. من بيوتها البسيطة توهج ضياء الأنبياء والقديسين فكانت مهد الإيمان والقناعة وحب الخالق عز وجل. وأروع مكنونات مدينة جبيل هي كنوز من البساطة والمحبة والسعادة المغمورة في أفئدة الشيوخ والرجال والأطفال.
هي جبيل حينما تنطق باسمها تختلج في أعماقك رياح السموات وتسري في عروقك مشاعر السلام والطمأنينة، فتدرك قيمتك كإنسان وتنظر إلى العلى شاكراً الله على عطاياه الجميلة والرائعة في هذه الأرض.
نبض