إيران وإسرائيل صراع الهوية في زمن الأمن المعلق

منبر 03-11-2025 | 12:32

إيران وإسرائيل صراع الهوية في زمن الأمن المعلق

في الشرق الأوسط، لا تقاس الحروب بعدد الصواريخ أو بطول الجبهات، بل بقدرتها على إعادة تعريف الوجود. فالصراع هنا ليس مجرد مواجهة بين جيوش، بل اختبار دائم لمعنى البقاء في منطقة يتبدل فيها الأمن كما تتبدل الفصول. 
إيران وإسرائيل صراع الهوية في زمن الأمن المعلق
صورة تعبيرية (وكالات)
Smaller Bigger

المحامي خالد عجاج


 

 

في الشرق الأوسط، لا تقاس الحروب بعدد الصواريخ أو بطول الجبهات، بل بقدرتها على إعادة تعريف الوجود. فالصراع هنا ليس مجرد مواجهة بين جيوش، بل اختبار دائم لمعنى البقاء في منطقة يتبدل فيها الأمن كما تتبدل الفصول. كل دولة تحمل خوفها التاريخي كظل طويل، وتعيد صياغة سياساتها وفق هذا الخوف أكثر مما تفعل وفق منطق القوة وحده. ومن بين كل هذه الصراعات، يبرز الصراع بين إيران وإسرائيل بوصفه الأكثر عمقاً وتعقيداً، لأنه يتجاوز حدود الجغرافيا والمصالح، ليصل إلى جوهر الهوية ذاتها؛ من يملك الحق في البقاء، ومن يملك حق الهيمنة على المعنى؟!!
إيران التي لا تزال تعيش تحت وطأة العقوبات والضغوط الغربية، لا تنكفئ على نفسها كما يراد لها، بل تبني اليوم معادلتها الأمنية على فلسفة تقوم على الردع الشامل وتستثمر في حصارها لتصوغ فلسلفة جديدة للأمن لا على الدفاع المحدود. تراكم السلاح ليس هدفاً بحد ذاته، بل وسيلة لصياغة توازن جديد يقيها التهديدات ويمنحها مكانة إقليمية لا يمكن تجاوزها. ومع تدفق شحنات الأسلحة المتطورة من الصين وروسيا، وبروز جسر جوي كثيف من موسكو، تبدو طهران وكأنها تعيد هندسة أمنها على أسس جديدة، أمن يقوم على القدرة على الرد وعلى تحييد التفوق الجوي الإسرائيلي الذي ظل لعقود الورقة الأهم في يد تل أبيب. إنها لا تستعد لمعركة آنية بل تُراكم شروط الردع الطويل وتتعامل مع الزمن بوصفه عنصراً من عناصر قوتها لا عبئاً عليها.

في المقابل، تنظر إسرائيل إلى هذه التحولات بعين القلق الوجودي. فالدولة التي قامت على فكرة "التهديد الدائم" تجد نفسها اليوم أمام خصم لا يتصرف كخصم ضعيف أو متردد، بل كقوة صاعدة تؤمن أن فقدان الهيمنة يعني في وعيها بداية اهتزاز المشروع الذي ولد من رحم الخوف.
إسرائيل التي بنت عقيدتها العسكرية على مبدأ "الضربة الاستباقية" والحسم السريع، تواجه اليوم خصماً يرفض الدخول في منطق التوقيت الإسرائيلي. إنها تقف أمام إيران التي تتقن فن التمهل، وتستثمر في الزمن كما تستثمر في الصواريخ. ولهذا يبدو أن تل أبيب لا تخشى فقط من القدرات الإيرانية الجديدة بل من العقلية التي تدير بها طهران معركتها، عقلية النفس الطويل والإصرار على جعل الردع بديلاً للحرب لا مقدمة لها.
وبين هذين الإدراكين المتقابلين؛ الإيراني القائم على الصبر الاستراتيجي، والإسرائيلي المبني على الفعل السريع، تتشكل معادلة معقدة تضع المنطقة أمام احتمال مواجهة مختلفة عن كل ما سبق. فهذه ليست مجرد حرب محتملة على الحدود، بل مواجهة على تعريف من يمتلك الحق في رسم صورة المستقبل. كلا الطرفين يحمل إرثاً من الخوف والذاكرة، وكل خطوة تتخذ على الأرض أو في السماء تقرأ في الطرف الآخر كاختبار للوجود. ولأن الصراع هنا ليس على الأرض وحدها، بل على الوعي الجمعي ذاته، فإن كل طرف يقاتل لحماية فكرة عن نفسه بقدر ما يقاتل لحماية نظامه.
لقد أصبح الصراع في هذه المرحلة مفهوماً متحولاً؛ بالنسبة لإيران هو مزيج من الردع والكرامة والسيادة، ولإسرائيل هو مزيج من السيطرة والخوف والبحث عن شرعية دائمة. وهكذا يتحول الصراع إلى معركة هوية، لأن من يعرّف أمنه بطريقة مختلفة، يعرّف ذاته بطريقة مختلفة أيضاً. لا يمكن فهم هذا الصراع من زاوية عسكرية فقط، لأن جوهره نفسي وسياسي وتاريخي في آن واحد. في هذا السياق يصبح الأمن شكلاً من أشكال السرد، وتتحول الاستراتيجية إلى وسيلة لصون الذاكرة الوطنية قبل حماية الأرض.
اليوم يعيش الشرق الأوسط على حافة لحظة مشدودة بين الصمت والانفجار. الجبهات مفتوحة في العلن والظل والكل يراقب الكل في انتظار اللحظة التي تنكسر فيها الموازين. ومع ذلك يبدو أن كلا الطرفين يدرك أن الحرب في معناها الكلاسيكي ليست خياراً مرغوباً بعد، وأن المعركة تكون أكثر حسماً من معركة السلاح. فهنا لا يقاس النصر بما يدمر بل بما يصان من المعنى.
وفي نهاية هذا المشهد المتشابك يظل السؤال معلقاً في فضاء المنطقة، من يملك اليد العليا حقاً من يحتكر القوة أم من يحسن إدارة الزمن؟

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/2/2025 7:34:00 PM
أفادت شبكة "سي أن أن" الأميركية، استناداً إلى مصادر استخباراتية أوروبية، بأن هناك دلائل إضافية على جهود الجمهورية الإسلامية لإعادة تأهيل قدرات وكلائها، وعلى رأسهم "حزب الله"
كتاب النهار 11/3/2025 5:40:00 AM
يكفي الفلسطينيين إساءة الى لبنان الذي حضنهم، وإساءة الى اللبنانيين على مختالف فئاتهم ومكوناتهم
ثقافة 11/1/2025 8:45:00 PM
بصمة لبنانية في مصر تمثّلت بتصميم طارق عتريسي للهوية البصرية للمتحف المصري الكبير.
ثقافة 11/2/2025 10:46:00 AM
"والدي هو السبب في اكتشاف المقبرة، وكان عمره وقتها 12 عاماً فقط سنة 1922."