ثقافة البلاد...وثقافة الفساد! هل يغيب الوطن؟ Are we moving backward?
د. عصام عطالله
أستاذ جامعي، كاتب وباحث
تدخل البلاد الى حالات تعقيد جديدة من الناحية السياسية مع ما ترتّبه من تردّدات دراماتيكية على الواقع اللبناني ميدانياً وفي النفوس، فالخطاب السياسي على صعيد المسؤولين وصل الى حائط مسدود حيث لم يصبح ممكناً تشابك الايدي او التصافح، أقلّه في العلن، بين الافرقاء المتخاصمين. واصبح السياسي يهرب الى الامام في ظل عدم وجود رؤية وخطة واضحة عنده او عند الجهة السياسية التي ينتمي اليها في وطن يتعرض فيه المواطن لشتّى انواع التعذيب والقهر الجسدي والمعنوي.
وعندما يطرح اللبناني السؤال على نفسه ما الذي اوصل البلاد الى هذا المستوى من التعاطي بين اللبنانيين، يأتى الجواب ببساطة أنه مشروع أكبر من لبنان، وإن صحّ هذا الكلام او لم يصح، يبقى ان اللبناني أداة قد تتحكم بها قوى خارجية من أعلى السلم الى اسفله، بحيث أن المواطن العادي يتبع هذه الجهة او تلك على حساب ثقافة وميثاق يصبح تطبيقه إنتقائياً حسب الحاجات والمصالح الفئوية او المذهبية او الطائفية، في وطن قد لا تستطيع حكوماته المتعاقبة تحقيق اهدافها على الصعد الاجتماعية والاقتصادية وموازانات تصدر وتصحّح أحياناً بعد صرف الاموال، وقوانين تختبئ في الادراج وتضيع أحيانا بين المكتسبات على حساب الحقيقة.

لقد تخطى لبنان ثقافة الفساد واصبح الوطن في مرحلة ثقافة التدمير الذاتي، إذ يفتش سياسيو هذا الزمن عن أي وطن يريدون، أو أي نظام هو الانسب؟ والجميع يفصلونه على قياس مختلف عن الآخر، ولم يتعلّم هؤلاء أخذ المقاس الاساسي للتفصيل عليه: على مساحة الوطن بأجمعه، فيغيب الوطن. وإن بقي الانسان في وطن غائب، هل بإمكانه ان يكون مواطناً خصوصاً في ظل محاولات نشر ثقافات دول قريبة او بعيدة اقليمية او دولية في الصراعات الداخلية البسيطة والكبيرة، وفي ذلك نوع من تغيير وجهة او رؤية او رسالة كيان وجد لكي يكون رسالة، ولم نبرهن حتى يومنا هذا عن جدارتنا بحمل هذه الرسالة إلا لماماً.
فالواقع على الارض اصبح مختلفاً عمّا يجب ان يكون عليه، فالجرائم الى إزدياد، من قتل وخطف وسرقات ونهب وفساد، والقاتل يسير في جنازة القتيل، والاصدقاء يتخاصمون، وضحايا غياب الامن يتزايدون، وعلى من الملامة، في وطن يضغط عليه الساسة وبالكاد يستطيع التنفس، يصارع من أجل البقاء رغم الملمّات، ينتفض فجأة ليعود الى الحياة، ومن دون إنذار تدق الجريمة والموت باب أحدهم وتدخل الغصّة أبواب اللبنانيين الصابرين الصادقين. فكيف لا تتأثر بما يجري من حولك من حوادث، عندما ترى أمّاً تتأوه لفقدان ولدها، أو أباً تنهمر الدموع على وجنتيه، والاخوة الباكين والمذهولين لهول المصاب، فقط لأن الامن غائب ولا يستطيع ان يحل على ارجاء الوطن، حيث أصبحت جميع المساحات ساحات للصراعات والمشاحنات؟
لبنان بحاجة الى يقظة، تنقذه من الاستزلام والتبعية، وأن يأخذ الشعب المبادرة بالتغيير، فيحاسب ويحاسب ويحاسب، والاهم الإيمان بقدرته على التغيير فيكون له ما اراد، ويبقى لبنان ولا يموت.
نبض