التنفّس… حين يصير الجسد بوّابة والعقل مرآة من نيكولا تسلا إلى هرمس الحكيم: النفس كفلسفة، وكشف، وعبور

منبر 31-10-2025 | 12:37

التنفّس… حين يصير الجسد بوّابة والعقل مرآة من نيكولا تسلا إلى هرمس الحكيم: النفس كفلسفة، وكشف، وعبور

في عالمٍ تتسارع فيه النبضات وتتزاحم فيه الأصوات، يغدو التنفّس فعلًا ثانويًا لا يُلتفَت إليه… مجرّد حركة بيولوجية آلية تدور في الخلفية. لكن، ما الذي يحدث إذا ما أعدنا لهذا الفعل مكانته المقدّسة؟ ماذا لو تحوّل التنفّس إلى صلاةٍ داخلية، إلى وسيلة ارتقاء، إلى مرآة تعكس حقيقتنا كما رآها تسلا، وكما أفصح عنها هرمس الحكيم؟
التنفّس… حين يصير الجسد بوّابة والعقل مرآة  من نيكولا تسلا إلى هرمس الحكيم: النفس كفلسفة، وكشف، وعبور
تعبيرية (مواقع تواصل)
Smaller Bigger

 د. نضال العنداري

 

في عالمٍ تتسارع فيه النبضات وتتزاحم فيه الأصوات، يغدو التنفّس فعلًا ثانويًا لا يُلتفَت إليه… مجرّد حركة بيولوجية آلية تدور في الخلفية. لكن، ما الذي يحدث إذا ما أعدنا لهذا الفعل مكانته المقدّسة؟ ماذا لو تحوّل التنفّس إلى صلاةٍ داخلية، إلى وسيلة ارتقاء، إلى مرآة تعكس حقيقتنا كما رآها تسلا، وكما أفصح عنها هرمس الحكيم؟
في هذا المقال، نغوص في أعماق التنفّس الواعي كأداة للفتح الروحي والفلسفي، بوصفه مفتاحًا من مفاتيح الأسرار الكبرى، نعيد من خلاله تأمّل الجسد لا ككتلة مادية، بل كوسيط بين العقل والكون، بين السريرة والمطلق.

في حضرة النفس: ما بين الشهيق والزفير تبدأ الرحلة
في اللحظة التي يستوي فيها الصدر وتنتظم الأنفاس، تبدأ رحلة تختلف عن كلّ سفرٍ آخر. هناك، في المسافة الفاصلة بين الشهيق والزفير، وفي الفراغ الذي يلي كتمة النفس، نلتقي بأنفسنا دون أقنعة، دون واجهات، دون زخرف.
التنفس الواعي ليس رياضةً أو تمرينًا استرخائيًا فحسب، بل هو علم وفلسفة، عبادة وحكمة، بوابة لولوج ما لا يُقال بالكلمات، ولا يُدرك بالعقل المجرد. في هذه الفجوة، يلمع السرّ: أن الحياة ليست ما نملكه، بل ما نستشعره، وأن الحضور ليس حالة جسدية، بل طاقة ذهنية وروحية تنتظم عبر إيقاع النفس.

تسلا والتنفس: هندسة الطاقة وموسيقى الكون
كان نيكولا تسلا يؤمن أن الكون كلّه مبنيّ على تردّدات واهتزازات، وقال عبارته الشهيرة:
"إذا أردت أن تفهم الكون، ففكّر من حيث الطاقة والتردد والذبذبات. "
لكن خلف هذه النظرة الفيزيائية، تكمن روحانية عميقة: فالتنفس الواعي، كما اختبره تسلا، هو إعادة تناغم بين الجسد والمجال الكوني. كان يشعر – بحسب بعض رواياته – أنّ تنفّسه العميق يخفف من ثقله، وكأن الجسد يصبح نقيًّا، أقرب إلى النور منه إلى الطين.
تسلا تحدّث أيضًا عن الأرقام 3 و6 و9 باعتبارها مفاتيح كونية، لا لفكّ شيفرات رياضية فحسب، بل لفهم العمق الاهتزازي للوجود. وعبر هذه العدّة الرقمية، يمكن فهم تمارين التنفس الواعي بوصفها مدخلًا لفهم الإيقاع الكوني، حيث الشهيق والزفير ليسا فعلين منعزلين، بل موجتين متناغمتين تشبهان ما يدور في المجرّات.

هرمس الحكيم: النفسُ عرشٌ بين ما فوق وما تحت
هرمس الحكيم علّم أن الوجود قائم على مرايا متقابلة. فما يحدث في الأعلى يتكرّر في الأسفل، وما هو في داخل الإنسان إنّما هو نسخة مصغّرة من الكَوْن الكبير. وفي ذلك، لا يكون التنفّس مجرّد حاجة فسيولوجية، بل يصبح انعكاسًا لنفَس الخالق، ومرآة للنبض السرمدي.
في كتاب الزمرد الذي يُنسب إليه، نقرأ:
"كما هو في الأعلى، كذلك هو في الأسفل، لتكتمل أعاجيب الواحد."
إنّ تطبيق هذه المقولة على التنفّس يعني ببساطة: كل شهيق وزفير ليسا فعلين بيولوجيين، بل هما ترجمة لما يدور في أفق النفس، في العقل، في الباطن، وفي طبقات الوعي العميق. الشهيق إدخال للضوء، الزفير تحريرٌ للثقل، والحبس بينهما أشبه بالوقف على عتبة قدس الأقداس.

الزهد عبر التنفّس: أدب النفس وتزكية السريرة
حين يتعلّم المرء كيف يتنفّس، فإنه لا يتعلّم فقط كيف يعيش، بل كيف يتطهّر. فالزهد الحقيقي ليس في الأكل ولا في المال وحده، بل في الضجيج. والزاهد هو من يستطيع أن يخفض ضجيج العالم داخل رئتيه، ويحوّل التنفّس إلى سجدة صامتة.
هناك مدارس كثيرة في الشرق والغرب – من الصوفية إلى الرهبنة إلى اليوغا – ترى في التنفس أداة للتحوّل الباطني. البعض يراه طريقة لتفكيك الأنا، وآخرون يربطونه بفتح "شاكرا القلب" أو "بوابة العين الثالثة"، بينما عند الصوفيين، النفس هو مرآة لتزكية القلب، وتحقيق "السكينة المتمركزة".
وكلما طال الشهيق والزفير، واتّسعت المسافة بينهما، كلّما صمت العقل، وبدأ القلب يتكلّم.

تمرين تسلا–هرمس: 3-6-9-6
في ضوء تلك الرؤى، يمكننا أن نستلهم تمرينًا بسيطًا، نُمارسه لا كرياضة، بل كتربية روحية يومية:
1.اجلس مستقيمًا، في مكان هادئ لا ضوضاء فيه.
2.خذ شهيقًا عبر الأنف مدته   3 ثوانٍ. تخيّل الضوء يدخل إلى صدرك.
3.احبس النفس بلطف 6 ثوانٍ. أغمض عينيك. أنصت للداخل.
4.ازفر عبر الفم ببطء  9ثوانٍ. أخرج كل توتر، كل قيد.
5.احبس مرة أخرى  6ثوانٍ. راقب الفراغ. سكن.
6.كرر الدورة 5 إلى 10 مرات.
العدد 3-6-9 في هذا السياق ليس مجرد تسلسل، بل طقس رمزي، حيث الثلاثي يرمز للبدايات، والستة للتمام، والتسعة للتجلّي.

النفس كوصلة… لا كوسيلة
علّمنا تسلا أن نرى التنفس كوسيلة لفهم الكون. وعلّمنا هرمس أن ندركه كبوابة بين العوالم. لكن الحقيقة الأعمق هي :أن النفس هو ذاته الكون. كل نفس نتلقّاه هو تجلٍ من تجلّيات الحياة فينا. وكل لحظة وعي بالنفَس هي لحظة رجوع إلى الأصل، إلى النقطة الأولى، إلى السرّ الذي خُلقنا منه.

تنفّس لتصمت، وتصمت لتسمع
حين تهدأ الأنفاس، يتوقف الصراع، وتبدأ الرؤيا. ليست رؤيا بالعين، بل بالبصيرة. وهنالك فقط، في هذا الصمت الممتدّ بين زفير وشهيق، يُولد السؤال الكبير: من أنا؟ ومَن يتنفّس فيَّ؟ وهل أملك نفسي أم أن نفسي هي من تملكني؟
لا تبحث عن الإجابة في العقل، بل في النفس ذاته.
تنفّس... فكل سرٍّ فيك مكتوبٌ في هذا الهواء.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

ثقافة 10/30/2025 10:50:00 PM
بعد صراع طويل مع المرض...
صحة وعلوم 10/29/2025 2:06:00 PM
أنقذ الطبيب اللبناني الدكتور محمد بيضون طفلاً من الموت بجراحة غير مسبوقة أعاد فيها وصل رأسه بجسمه، بعدما كان الأمل مفقوداً في نجاته.
مجتمع 10/30/2025 3:01:00 PM
فتحت القوى الأمنية تحقيقاً في الحادثة للوقوف على ملابسات جريمة الطعن