أحلام محسن زلزلة 

ما ظُلم من كتب قبل الـ"Ai" في سوق الكتابة الرّقميّة كتّاب مقاومون يصارعون الغريب المستهجن، يكتبون بإحساسم لا بالوكالة، متمسّكون ببحر المعاني لا بالزّبد. 
 من زمنٍ غير بعيد، كان الكاتب يجلس لأيّام وشهور وهو يتدبّر، يحلّل ويهذّب، قبل أن يسكب عاطفته على الورق لينجز سطراً واحداً ينال إعجابه وبالكاد يرضيه. 
نعم! كان الدّم حبر الحرف، والخيال خمر اللّغة، والإلهام قنديل الأفكار. كان الكاتب يتصبّب حبراً من فرط التّعب، ويشخر نائماً قبل انهاء نتاجه الإبداعي!
  أما اليوم فقد اختلط الحابل بالنّابل ولم يسلم قلم قط من شرك الذّكاء الصّناعي وإن اقتبس من نور الشّمس. 
ضاعت الطّاسة! فلا أحد يؤمن بكفّ نظيف في عالم الأدب بعد اليوم… لقد فقدت الكتابة طينتها الأولى، والمبدع الحقيقيّ المتفوّق على أترابه أصبح متّهماً أوتوماتيكيّاً بترويج بضاعة مستوردة. 
وطهارة النّصّ صارت دليلاً على التّذاكي لا الذّكاء.
فاللغة لا نثق بها، والأدوات لا ندري من حاكها، وإن كتبنا ذواتنا تعرّضنا للإساءة.
صار كل من يحلم أن يكون عبقريّاً في الأدب يعقل الـ"Ai"  ويتوكّل ليوفر الوقت، ويقطف حلم العمر في تكريس نفسه فريد زمانه.

نعم، لقد تغيّرت قواعد الكتابة وانحرفت عن مسارها تماماً، فصارت الأفكار تولد بكبسة زرّ، والمقدّمات ترفع للنّسخ، والخاتمات تبرمج الحسّ في أقلّ من ثانية، وبأسلوب انزياحي!
 لقد سحقت المواهب تحت بلدوزر الـAI ، والمتفوّق أصبح مبيّض أقوال .
وبما أنّ جنيّ الشّعراء ال "Ai" لم يعد هناك فرق بين الشّاعر والمتشاعر... والمسكين من يدفع اشتراك الموقع الّذي يثبت أنّه أديب بالفطرة.
نعم! المواقع الإلكترونية تتاجر بك، تتلقف نصّك، تدخله في الفرازة، وتنتهي الفضيحة بـنصك مزيّفاً، وادفع لنخلّصك من العار الأدبي!
تعرض عليك لائحة أسعار مرتفعة لتحويل نصّك الرّوبوتي إلى نصّ بشريّ.  
أمّا أولئك الّذين يتصدّرون المشهد وينادون بـالمحافظة على أصالة الأدب، فهم أول من يجب إنقاذ حبرهم المسروق الممعن في التّزييف بحرفيّة عالية. 
تصوّر! أن تسلّم شعورك لآلة لا تشعر ولا تنبض لتنوب عنك بالتّعبير والتّحرير!
لا بل ستُقارن مع روبوت كتب في ثانية ما تعبت في إنجازه أسبوعًا كاملاً.
وبعد... هل جائز القول إنّ أجمل الكلام ما صنعته الآلة؟