إلى وطني الذي لا يُشبه إلا نفسه… لبنان

منبر 29-10-2025 | 09:46

إلى وطني الذي لا يُشبه إلا نفسه… لبنان

أكتب إليك، يا لبنان، بيدٍ ترتجف كما يرتجف قلبُ الحبيب حين يخطّ رسالته إلى من غاب عنه، وأستحضر وجهك كما يستعيد العاشق ملامح من أحبّ بعد طول فراقٍ واحتراق.
إلى وطني الذي لا يُشبه إلا نفسه… لبنان
تعبيرية (مواقع تواصل)
Smaller Bigger

جان-مارك زغيب - تلميذ في الصفّ الثانوي الثاني - مدرسة راهبات القلبين الأقدسين - سيوفي

 

أكتب إليك، يا لبنان، بيدٍ ترتجف كما يرتجف قلبُ الحبيب حين يخطّ رسالته إلى من غاب عنه، وأستحضر وجهك كما يستعيد العاشق ملامح من أحبّ بعد طول فراقٍ واحتراق.
لا أكتبك غضبًا، ولا أعاتبك بلغةِ اللوم، بل أُسطر حروفي بمداد القلب، لأنك الحبُّ الذي لا يشيخ، والجُرحُ الذي لا يلتئم، والألمُ الذي غدا معنىً للحياة.
أنتَ يا لبنان، الحكاية التي وُلدتُ فيها قبل أن أرى النور، والقصيدة التي سكنت لساني قبل أن أتعلّم الكلام.
أنت مدرستي الأولى في الحنين، وأجمل خساراتي التي لا أندم عليها.
كنتُ أودّ أن أحدثك عن الفرح، عن صباحاتك المذهّبة بالندى، وعن رائحة الخبز الخارجة من أفران الأزقّة، لكن كيف أقدر وسَماؤك ما تزال تختنق بدخان الانفجارات، وشوارعك تنزف على وقع خطى المهاجرين؟

كيف أكتب عن الأمل، والوجع صار لغتنا الوحيدة المشتركة؟
أنت جميل، يا لبنان، جمالك يُوجِع لأنه يشبه الذكرى: باهتة الملامح، لكنها لا تفقد دفءَها.
تعبتَ من النهوض، أنهكتك الخيبات، نزفتَ حتى جفّ الحُلم في عروقك، ومع ذلك ما تزال شامخًا كأرزك، واقفًا على الرغم من العواصف، صامدً بالرغم من الانكسار، و ما تزال خالداً كما، خلود الأرز في القمم.
أسمعك في صوت فيروز حين تهمس للفجر، وفي نبرة صباح وهي تبتسم للوجع، وفي نَفَس وديع الصافي وهو يُغنّي للجبال التي تحفظ نبضه في جذورها وأدركك في صدى صوت جبران تويني الصادح من مرايا الغياب فحتى صخورك تبكي بصمتٍ، لكنها لا تعرف الاستسلام.
وفي ملحم بركات أراك عاشقًا عنيدًا للحياة، يُغنّيك كمن يثور على الخيبة ويبتسم في وجه الهزيمة.
في كل نغمةٍ من صوته كنتَ تولد من جديد، حرًّا، متأججًا، متمرّدًا على الحزن.
وفي فيروز أراك كما يجب أن تكون: وطنًا من الضوء والندى، بسيطًا، نقيًّا، صافياً كصباح بيروتيٍّ مبلولٍ بالأمل.
أما صباح، فكانت فرحك الذي لا يشيخ، وجهك المضيء في العتمة الطويلة، ابتسامتك التي غنّت للحياة في وجه الموت.
ووديع الصافي كان جبلَك الذي لم ينحنِ، صوت الأرض حين تتألم وتصلي.
هؤلاء الأربعة لم يكونوا فنانين فحسب، بل أعمدةً في خيمتك التي كادت الرياح تقتلعها. كلٌّ منهم غنّاك على طريقته، فصاروا وجوهك التي لا تشيخ، وأصواتك التي لا تخفت.
يا وطني، صارت أغنياتك وطني حين ضاق الوطن، وصارت ذاكرتك بيتي حين تهدّمت البيوت.
في الخارج، الواقع قاسٍ: وجوهٌ منهكة، متاجرُ خاوية، أحلامٌ تُحمل في جوازات السفر. ومع ذلك، أنا هنا… أحبك بصمتٍ يختنق، أُعانقك بكلمة، وأُرمّمك بدعاء.
لقد منحتني يا لبنان ما لا يُمنح: علّمتني الكرم في الفقر، والعزّة في الانكسار، والابتسام في عمق الألم.
علّمتني أن الأمل ليس رفاهية، بل عبادة، وأن الخوفَ قدرُ العاشق الذي يخشى على من يحب.
يقولون إنك انتهيت، لكنني لا أصدق، لأنني أراك في ضحكة طفلٍ يركض في زقاق بيروت، وفي أغنيةٍ تخرج من راديو قديم في جبلٍ ناءٍ، وفي عين أمٍّ لا تزال تنتظر عودة ابنها.
ما دام فيك ضوءٌ واحد، فلن يُطفئك الظلام.
أؤمن بك، يا لبنان، لا عن سذاجة، بل عن يقينٍ تذوّق الرمادَ وحمل في قلبه بذرة القيامة.
أؤمن بيومٍ ستنهض فيه، لا لتُرمم الجدران، بل لتبني الثقة المهدورة بين أبنائك.
أؤمن بيومٍ سنجلس فيه معًا، لا كخصومٍ متوجّسين، بل كإخوةٍ تصالحوا مع جراحهم وتقاسموا خبز الأمل بدل رماد الكراهية.
أكتب إليك لأن الصمت خيانة،
أكتب إليك كي لا تُدفن حيًّا تحت الركام،
أكتب إليك لأنك تستحق الحياة، لأنك لا تزال قادرًا على المعجزة، لأنك ، بالرغم من النزف ، لا تزال قلباً ينبض ولو داخل نعشه.
وإن سقطتَ مرةً أخرى، سأرفعك بكلمتي، بيدي، بروحي.
وإن بكيتُ ألف مرة لأجلك، سأبكي من دون خجل، لأنك القصيدة التي لا تموت، واللحن الذي لا يصدأ، والنشيد الذي لا يُقهر.
أنت وطني يا لبنان، ولا أريد أن أعيش على أطلالك، بل معك، وفيك، وبك.
أريد أن يقول أبنائي يومًا "وطني" من دون أن ترتجف أصواتهم خوفًا أو خجلًا.
أريد أن يعود اسمك مرادفًا للثقافة، للكرامة، للجمال، وللإنسان.
وعلى الرغم من كل الخيبات، أحبك.
أحبك لأنك أنا، ولأنني منك.
أحبك لأنك الحلم الذي لا يُمحى، والوجع الذي لا يُنسى.
وسأظل أؤمن أنك، وإن تأخرت، ستعود.
ستشفى ببطء، لكنك ستشفى.
ستنهض من رمادك كما ينهض الفينيق من نيرانه، لا لتبدأ من الصفر، بل لتبدأ من الحكمة.
أرجو أن أراك تبتسم من جديد، في وجه طفلٍ، أو في فجرٍ صامتٍ تصالح فيه اللبنانيون مع قلوبهم.
فحبي لك عنيد، لا يعرف الهزيمة، لا يخضع للمنفى، لا يملّ من الانتظار.
وأنا، ابن ترابك المجروح، أحمل في داخلي ندوبك وأحلامك، وأسير نحو غدٍ أعرف أنه سيجيء، مهما طال الليل.
سلامٌ عليك، يا وطن الوجع والجمال،
سلامٌ عليك، يا لبنان،
يا من فيك وُلد الحنين، ومنك زُرع الأمل، وفيك سيُكتب النهوض.


مدرسة راهبات القلبين الأقدسين - سيوفي
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/25/2025 1:09:00 PM
تأتي هذه الخطوة في وقت تعاني فيه العديد من المدارس السورية نقصاً حاداً في المقاعد الدراسية
اقتصاد وأعمال 10/28/2025 10:49:00 AM
يعطي المدعي العام المالي القاضي ماهر شعيتو عناية خاصة لملف المبالغ المستعادة ومتابعة كل تفاصيله.
النهار تتحقق 10/28/2025 1:58:00 PM
أثارت الصورة تساؤلات عن صحتها، خصوصاً انه ليس من المألوف ظهور رئيس البرلمان اللبناني بالدشداشة والشبشب. 
لبنان 10/27/2025 8:02:00 PM
أثار خبر مقتل الشاب إيليو أبو حنا برصاص فلسطيني في مخيم شاتيلا عضباً لبنانياً كبيراً.