الذكاء الاصطناعي والطاقة الجائعة: الثمن البيئي للتطور الرقمي

منبر 27-10-2025 | 10:41

الذكاء الاصطناعي والطاقة الجائعة: الثمن البيئي للتطور الرقمي

في كل مرة نطلب فيها من الذكاء الاصطناعي كتابة نص، أو إنشاء صورة، أو تلخيص خبر، تُستهلك طاقة هائلة تفوق ما يتخيّله المستخدم العادي.
الذكاء الاصطناعي والطاقة الجائعة: الثمن البيئي للتطور الرقمي
تعبيرية (مواقع تواصل)
Smaller Bigger

نور مرزوق

 

 

في كل مرة نطلب فيها من الذكاء الاصطناعي كتابة نص، أو إنشاء صورة، أو تلخيص خبر، تُستهلك طاقة هائلة تفوق ما يتخيّله المستخدم العادي.
فخلف كل إجابة سريعة أو تجربة رقمية مذهلة، تدور آلاف الخوادم في مراكز بيانات عملاقة، تستهلك كميات ضخمة من الكهرباء والمياه، ما يجعل التكنولوجيا الحديثة في مواجهة جديدة مع البيئة، فالذكاء الاصطناعي، الذي يُروَّج له كرمز للتقدّم والابتكار، بات اليوم موضع تساؤل وقلق بيئي، بعدما تحوّل إلى صناعة ضخمة تلتهم الموارد الطبيعية. فهل ندفع من غير قصد، ثمناً بيئياً في مقابل التطور الرقمي؟

التكنولوجيا والبيئة: علاقة معقّدة
في عالم تتسارع فيه التحوّلات التقنية، أصبحت التكنولوجيا جزءاً من تفاصيل حياتنا اليومية، بل تحوّلت من وسيلة لتحسين الحياة إلى أداة تفرض نمطاً استهلاكياً على المجتمعات.
إذ أشارت غادة حيدر، الأمينة العامة لجمعية "غايا" البيئية إلى أننا "أصبحنا نرى البيئة من خلال الأدوات التكنولوجية، ولم نعد نعيش في بيئة طبيعية. فقد هيمنت التكنولوجيا على الإنسان والطبيعة، والمشكلة ليست في الذكاء الاصطناعي، بل في تحويل الطبيعة إلى موارد تُستغل بلا حدود، ما يهدد التوازن البيئي والوجود الإنساني".

استهلاك طاقة يفوق التصوّر
وأوضحت أن التقديرات البيئية تشير إلى أن الولايات المتحدة تستحوذ على نحو 45% من استهلاك الطاقة في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، تليها الصين بنسبة 25%، ثم أوروبا بنسبة 15%، وهذه المراكز التي تعتمد على وحدات معالجة عالية الأداء، تنتج كميات ضخمة من الانبعاثات الكربونية، مما يجعلها من العوامل الخفية في تفاقم أزمة المناخ العالمي.
وترى أن المطلوب ليس وقف التطور التكنولوجي، بل توجيه الذكاء الاصطناعي نحو الاستدامة عبر:
الاعتماد على الطاقة المتجددة، تحسين كفاءة الخوارزميات، تطوير بنى تحتية خضراء، وتحقيق توازن بين الابتكار والمسؤولية البيئية.

"الاستدامة" بين التسويق والحقيقة
وأوضحت أن الشركات الكبرى تستخدم مصطلح "الاستدامة" أداة ترويجية، لكنّ السؤال يبقى: إلى أي مدى تنعكس هذه الاستدامة على الأرض؟
فكل استخدام غير واعٍ للذكاء الاصطناعي يحمل معه ثمناً بيئياً خفياً، ينعكس على الهواء والمياه والطاقة. وتشير الدراسات إلى أن مراكز البيانات تحتاج إلى ملايين الليترات من المياه يومياً لتبريد أجهزتها. وفي المناطق التي تعاني الجفاف، يؤدي هذا الاستنزاف إلى خفض مستويات المياه الجوفية وتدهور النظم البيئية، ما يزيد من معدلات الفقر والعوز المائي.

بدائل أكثر استدامة
رغم التحديات، بدأت تظهر حلول تقنية تحدّ من البصمة الكربونية والمائية لمراكز البيانات، منها:
استخدام الطاقة الشمسية والكهرومائية، تطوير خوارزميات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة، إعادة استخدام الحرارة الناتجة لتدفئة المباني أو تشغيل أنظمة أخرى، وبناء المراكز في مناطق باردة طبيعياً لتقليل استهلاك التبريد الصناعي.
كذلك تدعو حيدر إلى إصدار قوانين ملزمة تُجبر الشركات على إعادة تدوير الأجهزة القديمة وتقليل النفايات الإلكترونية الناتجة من تحديث المعدات باستمرار.

النفايات الإلكترونية... الكارثة الصامتة
في عام 2019، أنتج العالم نحو 53.6 مليون طن من النفايات الإلكترونية، لم يُعد تدوير سوى 17.4% منها بشكل رسمي، وترى حيدر أن هذه النسبة ربما أقل من الواقع، معتبرة أن "العالم تحوّل إلى حاوية ضخمة للنفايات الإلكترونية"، في ما يُعد كارثة بيئية وإنسانية تتفاقم بصمت.
أما في لبنان، فتبدو الاستعدادات لمواجهة هذه الموجة محدودة، إذ يحتاج البلد إلى مبادرات واستثمارات وسياسات بيئية واضحة، إلى جانب حملات توعوية قبل أن تتحوّل الأزمة إلى واقع يصعب احتواؤه.

من طاقة جائعة إلى طاقة واعية
الذكاء الاصطناعي، رغم كونه رمزاً للتطور، يعكس في جوهره تناقض الإنسان مع بيئته، فكل نقرة على لوحة المفاتيح تحمل أثراً بيئياً، وكل خوارزمية جديدة تختبر حدود قدرتنا على تحقيق التوازن بين التقدّم والمسؤولية.
وعلى رغم الإمكانات الهائلة في دفع عجلة الابتكار للذكاء الاصطناعي، لا يمكن أن يُفصل عن البيئة التي نحيا فيها، فكل خوارزمية تُدرّب، وكل مركز بيانات يُشغّل، يترك وراءه أثراً بيئياً ملموساً، من استهلاك للطاقة إلى استنزاف المياه وإنتاج نفايات إلكترونية.
والوقت لم يعد يسمح بالتقاعس؛ يجب توجيه التطور الرقمي نحو استدامة حقيقية، عبر اعتماد الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة الخوارزميات، وإعادة التفكير في تصميم مراكز البيانات. فالمستقبل الرقمي لن يكون متقدماً حقاً إلا إذا كان صديقاً للكوكب، ويحقق توازناً بين الابتكار والمسؤولية البيئية.
في النهاية، الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة للتقدم، بل اختبار حقيقي لقدرتنا على الجمع بين التطور البشري وحماية الطبيعة، لضمان مستقبل أكثر توازناً وعدالة للأجيال القادمة.
"التغيّر المناخي والتلوث الناتج من التكنولوجيا هما ظاهرتان تتجاوزان إدراكنا اليومي" .Timothy Morton

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

لبنان 10/25/2025 8:33:00 PM
وُلد حمدان في 19 كانون الثاني (يناير) عام 1944، في قرية عين عنوب، قضاء الشوف في لبنان.
لبنان 10/26/2025 5:22:00 PM
اعتداء إسرائيلي جديد في جنوب لبنان...
ايران 10/26/2025 6:06:00 PM
 المسؤول هو سردار عمار، القيادي البارز في الحرس الثوري الإيراني ورئيس "الفيلق 11 ألف" التابع لفيلق القدس بقيادة إسماعيل قاآني