لماذا تخلَّت "بيضةُ الإسلام" عن فرضِ الحجاب؟

منبر 26-10-2025 | 20:44

لماذا تخلَّت "بيضةُ الإسلام" عن فرضِ الحجاب؟

النظام الإيراني أراد بفرضه الحجاب، بين ممارسات أخرى، أن ينسب شرعية حكمه إلى الدين، عبر التظاهر بتطبيق أحكام الشريعة بالقوة...
لماذا تخلَّت "بيضةُ الإسلام" عن فرضِ الحجاب؟
إيرانيات في أحد الأسواق الشعبية في طهران. (أ ف ب)
Smaller Bigger

 

 

حميد الكِفائي *

 

لم يتمكن النظام الإيراني بكل أجهزته القمعية وحرسه الثوري وجيوش المعممين المنتشرة في كل بقاع إيران، أن يفرض الحجاب على النساء، إذ قاومه الإيرانيون بكل الوسائل، بينما ظل النظام يمارس الأسلوب الوحيد الذي يجيده، ألا وهو القمع بشتى الوسائل، لكنه اضطر، بعد 46 عاما، إلى تغيير نهجه، والسماح للإيرانيات باختيار الزي الذي يترضينه.

وسواء أكان الحجاب فرضا دينيا أم لم يكن، فهذه مسألة مختلَفٌ عليها، ولستُ في معرض بحثها هنا. لكن الأديان معتقدات شخصية، يتفاوت الإيمان بها من شخص لآخر، والنصوص الدينية، خصوصا الإسلامية منها، توجب الاختيار، والنص القرآني يخاطب النبي "إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ"، و"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ". وتتوالى النصوص الواضحة لترسيخ مبدأ الاختيار: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا"... "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ".

لكن النظام الإيراني أراد بفرضه الحجاب، بين ممارسات أخرى، أن ينسب شرعية حكمه إلى الدين، عبر التظاهر بتطبيق أحكام الشريعة بالقوة، بعدما أفلس سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً. لقد أُنشِئت شرطة الأخلاق في عهد الرئيس "الإصلاحي" و"المعتدل"، محمد خاتمي، لتعزيز هذه السلطة بقوة السلاح.

وقد تصرفت "شرطة الأخلاق" بلا رحمة ولا أخلاق مع الناس منذ تأسيسها عام 2005، وكانت تمارس القمع حتى طفح الكيل لدى الشعب الإيراني عندما اعتُقِلت الفتاة اليافعة، مهسا أميني، ليس لأنها سافرة، بل لأنها لم ترتدِ الحجاب وفق الشروط التي حددها النظام، فأُخْضِعتْ للتعذيب حتى ماتت في المعتقل، الأمر الذي دفع ملايين الإيرانيين في شتى أنحاء البلاد، إلى الاحتجاج، فتصدى لهم الحرس الثوري وقتل منهم ما لا يقل عن 500 محتج ومحتجة. ومع ذلك، استمرت الاحتجاجات لأسابيع، بل اتخذت طابعا ساخرا، إذ لاحقت النساء الحرائر رجالَ الدين، وخلعت عمائمهم بحركات سريعة وطريفة.

لم يتعظ النظام من الإدانة العالمية لمقتل مهسا أميني، ولا من الثورة الشعبية التي تلت مقتلها، بل تمادى أكثر، فشرَّع برلمانه عام 2024 قانونا أكثر تشددا، هو قانون "الحجاب والعفة"، الذي نص على إنزال عقوبات قاسية بالفتيات اللائي يُظهِرن سواعدَهن أو سيقانَهن. غير أن الرئيس مسعود بزشكيان، الذي يشغل أيضا منصب رئيس مجلس الأمن القومي، ويبدو أكثر واقعية من الآخرين، علَّق العمل به، قائلا إنه بحاجة إلى مراجعة.

وفي تطور لافت، أعلن النائب محمد رضا باهونر، مطلع الشهر الجاري، أنه لا يوجد قانون ملزم بارتداء الحجاب، وأن النساء حرائرُ في ارتداء الزي الذي يرتضينه ولن يتعرضن للعقوبة، مضيفا، أنه شخصيا لم يؤمن يوما بفرض أي زي على النساء! لكن الحقيقة مختلفة عما قاله باهونر، فالنساء الإيرانيات بدأن، منذ مقتل مهسا أميني، يتجاهلن قانون الحجاب وشرطة الأخلاق، ولكثرة النساء اللائي تحدين السلطة، اضطر النظام إلى تغيير موقفه، وأوعز إلى باهونر بإطلاق هذا التصريح، كي يبدو تجاهل النساء لشرطة الأخلاق أمراً طبيعياً وليس تمرداً على السلطة، إذ "لا يوجد إلزام قانوني بالحجاب"!

تركيز الأنظمة المتشدقة بالدين على إرغام الناس على تغيير سلوكهم الحياتي، مسألة تستحق التوقف عندها. فهي ابتداءً تُستخدم لاكتساب شرعية الحكم من دين الله، ومن ناحية أخرى، تستخدم لإرهاب للناس كي يتمثلوا لأوامر حكامهم المقدسة، وأخيرا، لإلهائهم عن المطالبة بحقوقهم الأساسية الأخرى، التي يتمتع بها معظم سكان الأرض.

إن في هذا الحدث الإيراني درسا للعراق، فهناك جماعات مسلحة تحاول تقليد النظام الإيراني وإرغام العراقيين على تغيير ثقافاتهم وسلوكهم بذرائع دينية، بل إن النظام العراقي بزَّ الإيراني في تشريع قوانين غرائبية لم تألفها حتى إيران، كقانون الأحوال الشخصية الجعفري، الذي واجه معارضة شعبية وبرلمانية شديدة، وما كان ليُمرَّر لولا ربطُه بقانونيْن آخريْن، طالبت بتشريعهما قوى سياسية أخرى. كما شرَّع البرلمان، الذي يضم بين صفوفه 73 نائبا خاسرا في الانتخابات الماضية، عطلة "عيد الغدير" التي تُعمِّق الهوة الطائفية بين السنة والشيعة.

لقد آن الأوان لأن يتخلى المتشدقون بالدين في العراق عن أساليبهم التي رفضها العراقيون، فإن لم يفعلوا فإنهم سيضطرون الشعب إلى مواجهتهم مرة أخرى وإسقاط حكمهم. إن كان النظام الإيراني، مع كل القوة التي يمتلكها، قد اضطر إلى النزول عند إرادة شعبه، فإن الأجدى بنظام المحاصصة الطائفية العراقي، القائم على الفساد والقمع، أن يمتثل للإرادة الديموقراطية للشعب العراقي قبل فوات الأوان.

 

* كاتب عراقي

 

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/25/2025 6:14:00 AM
حكم بالسجن المؤبّد من دون إمكانية الإفراج المشروط على الجزائرية ذهبية بنكيرد (27 عامًا)، بعد إدانتها باغتصاب وتعذيب وقتل الطفلة الفرنسية لولا دافيت
لبنان 10/25/2025 8:33:00 PM
وُلد حمدان في 19 كانون الثاني (يناير) عام 1944، في قرية عين عنوب، قضاء الشوف في لبنان.
لبنان 10/25/2025 10:39:00 AM
وحش بشري أقدم على اغتصاب فتاة قاصر في جبل البداوي