هل بات لبنان سجين المقاومة؟

منبر 25-10-2025 | 11:13

هل بات لبنان سجين المقاومة؟

آن للحزب أن يعيد النظر في استراتيجيته قبل أن يُنهك البلد تماماً، فإعادة الإعمار لا تُبنى على أنقاض وطنٍ مفلسٍ أو منقسمٍ أو مرتهن
هل بات لبنان سجين المقاومة؟
الدمار داخل معمل الباطون في أنصار (أحمد منتش، ارشيفية).
Smaller Bigger

الدكتور شرف أبوشرف، نقيب الأطبّاء سابقاً

يعيش اللبنانيون اليوم قلقاً متزايداً حيال مصير وطنهم، وهم يستمعون إلى خطابات قادة المقاومة التي تتحدث عن السيادة والحرية والديموقراطية، فيما تبقى الدولة مقيّدة بسلاحٍ خارج سلطتها. يتحدّثون عن احترام المؤسسات، لكنّهم في الوقت نفسه يحتفظون بقرار الحرب والسلم، متذرّعين بأنّ سلاحهم ضمانة للوطن، فيما هو في الحقيقة ما زال يُبقيه رهينةً لمعادلاتٍ إقليميةٍ تتجاوز حدوده وإرادته.

 

لقد دفع لبنان، كما غزّة، ثمن هذا الخيار الباهظ: دمارٌ شامل، ضحايا بعشرات الآلاف، ومجتمعٌ يرزح تحت أعباء اقتصاديةٍ ونفسيةٍ لا تُحتمل. فهل كُتب على اللبنانيين أن يعيشوا دائماً سجناء بين خيارين مستحيلين: الخضوع أو الحرب؟

منذ عقود، أثقل التدخلان السوري والإيراني كاهل الدولة اللبنانية. صمت الناس يوماً خوفاً أو اضطراراً أو مسايرةً لظروفٍ دوليةٍ معقدة، لكنّهم اليوم باتوا أكثر وعياً وصلابة. فالأكثرية الساحقة تطالب بعودة القرار إلى مؤسسات الدولة، وبإرساء سيادةٍ حقيقيةٍ تضمن الأمن والاستقرار في وطنٍ لا جيش فيه إلا جيشه الشرعي.
لقد ولّى زمن الميليشيات، وحان زمن الدولة الجامعة، الدولة التي تحمي أبناءها بالقانون لا بالسلاح، وتواجه التحديات بالحكمة والعقل لا بالصواريخ والمغامرات. فالحروب لم تعد وسيلةً لحماية القضايا، بل غدت طريقاً أكيداً إلى الخراب. والحقّ الفلسطيني، كما كل حقٍّ إنساني، لا يُستعاد بالقوة، بل بالديبلوماسية والعلم والإعلام، وبالوعي الجماعي الذي يُعيد للإنسان كرامته وللشعوب حريتها.
إنّ التوازن الإقليمي تغيّر، ومعظم الدول التي رفعت يوماً راية العداء لإسرائيل اختارت التطبيع، بينما لبنان وحده يدفع الثمن من أرضه وشعبه واقتصاده. لم يعد الاتكال على الخارج مجدياً، لا على الفرس ولا على غيرهم. قوتنا الحقيقية في وحدتنا، وفي ثباتنا على هويتنا اللبنانية المتجذّرة في التاريخ والحرية والانفتاح.

لقد أثبتت تجارب الأمم أن الاعتراف بالواقع لا يعني الهزيمة، بل بداية النهوض. فاليابان بعد هيروشيما لم تفنَ، بل اختارت طريق العلم فصارت قوةً حضاريةً عظمى. والقوات اللبنانية بعد الطائف سلّمت سلاحها التزاماً بمنطق الدولة، لكنّ القرارات الدولية آنذاك وضعت لبنان تحت الوصاية السورية، ما أضعف مؤسساته وفتح الباب لتعزيز نفوذ "حزب الله" بإسنادٍ إيراني. واليوم، بعدما تغيّرت المعادلات مجدداً، ووقعت حماس اتفاق السلام مع إسرائيل، ربما آن للحزب أن يعيد النظر في استراتيجيته قبل أن يُنهك البلد تماماً، فإعادة الإعمار لا تُبنى على أنقاض وطنٍ مفلسٍ أو منقسمٍ أو مرتهن.

 

إن خلاص لبنان لا يكون إلا بتوحيد الصفوف تحت سقف الدولة، دولةٍ تحتضن جميع أبنائها دون استثناء، وتحفظ سيادتها بجيشها ومؤسساتها.

 

لبنان لم يُخلق ليكون ساحةَ صراعٍ، بل مساحةَ لقاءٍ بين الشرق والغرب، وجسراً للحوار والثقافة والحرية. قوته في تعدديته، وغناه في ديموقراطيته، وحضوره في قدرته على أن يكون وطناً يختلف فيه الناس دون أن ينقسموا.

 

الحرية في لبنان ليست شعاراً، بل شرطُ وجوده. السيادة والاستقلال ليستا ترفاً سياسياً، بل جوهر كيانه. والديموقراطية، رغم عثراتها، تبقى سبيله الوحيد لتغليب صوت العقل على صوت السلاح.

 

 

فليكن لبنان دولةَ السلام لا ساحةَ الحرب، دولةَ الحياة لا الموت، دولةَ المواطنة لا الولاءات. وليبقَ أبناؤه مؤمنين بأنّ العيش المشترك قدرهم الجميل ومسؤوليتهم الكبرى، وأنّ هذا الوطن، مهما عصفت به الرياح، سيبقى ما داموا متمسّكين بهويةٍ جامعةٍ ترفض الانقسام، وتؤمن بأنّ الحرية والثقافة والكرامة والعلم هم المعنى الحقيقي للبنان.

العلامات الدالة