من الحالة الكانتونية إلى رحاب الوطن

منبر 25-10-2025 | 10:58

من الحالة الكانتونية إلى رحاب الوطن

لكي يصبح لبنان كسويسرا يجمع بين الحريات والنظام الكانتوني، يجب أن يكون هناك أولا ثقافة وطنية جامعة ولا يكون محيط لبنان الخارجي يسوده صراعات ونفور واقتتال.
من الحالة الكانتونية إلى رحاب الوطن
تعبيرية (مواقع)
Smaller Bigger

الدكتور نواف كبارة 

لقد كان الرئيس أحمد الشرع على حق عندما قال إن المشاريع السياسية القومية والإسلامية فشلت ولم يبق إلا المشروع الوطني. حتى هذا المشروع الوطني تستهدفه إسرائيل بهدف تفتيت المنطقة إلى دويلات متناحرة. ولتحقيق هذا الهدف لا تعتمد على القوة العسكرية فقط كتأمين الحماية لدروز السويداء، وإنما على توفير الظروف من حيث الاستثمار في الخطاب الفئوي على حساب الخطاب الوطني الجامع.

 

يعرّف كل من لاكلاو وموف العدائية بعدم قدرة الإنسان على أن يكون ما يريد بسبب الآخر. ولكي لا يكون الآخر بالنسبة إلى العالم العربي هو المشروع الصهيوني، لا بد إسرائيليا من تحويل الخلافات والثقافات المتنوعة في الدول العربية إلى صراعات هوية وانتماء، فيتم إبراز ما يفرق على حساب ما يجمع، وافتعال حوادث عنفية تدفع نحو الثأر والتقاتل، فتندلع الحروب الأهلية وترسم حدود كانتونات جغرافية من لون مذهبي أو عرقي واحد. ويصبح كل كانتون يستثمر في هويته الخاصة سياسيا وثقافيا ويزداد الاستثمار في خطاب الفرقة والعداء للآخر. هذا ما حدث في الحرب الأهلية اللبنانية وما يحدث اليوم في لبنان من حيث تنامي الكراهية بين المذاهب والمناطق اللبنانية المختلفة. وتنتشر أفكار تغذي الفوارق الثقافية، مثل "هيدول ما بيشبهونا" وشعار "شيعة شيعة" و"طرابلس قلعة المسلمين"، فتصبح الهوية المذهبية هي الهوية الرئيسية على حساب الهوية الوطنية. 

 

إن بناء الدولة يتطلب الاستثمار في الهوية الوطنية. وهذا يتطلب مشروعا مضادا للفكر الصهيوني والكانتوني يقلل من الفوارق الثقافية ويوسع دائرة التلاقي السياسي ويحول التنوع إلى مركز الثقل في صناعة الهوية الوطنية. هذا ما فعله فؤاد شهاب بعد ثورة ١٩٥٨، إذ قام المشروع الشهابي على تحويل الفوارق الدينية إلى تناقضات ثانوية أمام التناقض الرئيسي، وهو في الفوارق الطبقية والتنموية والتربوية بين منطقة وأخرى. نجح فؤاد شهاب في بناء الدولة وتحويلها إلى العصب الرئيسي في تنظيم حياة اللبنانيين، ونفذ مجموعة مشاريع لتخفيف الفوارق بين الفئات والمناطق اللبنانية. أما اليوم فلا يمكن اختصار مشروع بناء الدولة بحصرية السلاح. فلا بد أن يتوافق هذا البناء مع خطط تجمع شباب لبنان وتلغي الشعارات المذهبية والسياسية عن كل الأملاك العامة وتعيد رفع مستوى المدارس الحكومية وتضمن الحماية الاجتماعية للبنانيين جميعآ. 
لقد وصف ماركس حكم نابليون الثالث بأنه نجح في تحرير الدولة من هيمنة البورجوازية. واليوم المطلوب من العهد تحرير الدولة من الهيمنة السياسية لمجموعة الأحزاب المذهبية على الدولة من حيث التدخل في التعيينات الإدارية والإصرار على اعتماد القوانين الانتخابية التي تعمق الانتماءات المذهبية. ولعل الخطوات الأولى في هذه الطريق هي في اعتماد نظام جديد للأحزاب السياسية يفرض إنشاء أحزاب وطنية عابرة للمناطق والمذاهب، شفافة من حيث مصادر التمويل والصرف.

 

 

لا بد من إطلاق خطة وطنية لنشر الثقافة الوطنية ومواجهة ثقافات التفرقة والكراهية للآخر. وطبعا لا بد من اعتماد نظام انتخابي يوسع آفاق اللبنانيين سياسيا وينقلهم من ذهنية الضيعة والمذاهب إلى مستوى رحاب الوطن. قيمة لبنان في ثقافة الحرية التي يعيشها اللبنانيون، وهذه الثقافة مدينة لوجودها وبقائها بالتنوع اللبناني. وعندما يختفي التنوع تهيمن الديكتاتورية والفكر المنغلق والتعصب. هكذا كانت التجربة اللبنانية خلال الحرب الأهلية. ولكي يصبح لبنان كسويسرا يجمع بين الحريات والنظام الكانتوني، يجب أن يكون هناك أولا ثقافة وطنية جامعة ولا يكون محيط لبنان الخارجي يسوده صراعات ونفور واقتتال. ومن بعدها نبحث في النظام السياسي الأفضل للبنان.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/24/2025 6:56:00 AM
أثار الفيديو المتداول موجة من الغضب بين رواد مواقع التواصل
اسرائيليات 10/24/2025 1:25:00 AM
لفت إلى أن "نتنياهو يسير على حبل رفيع مع ترامب".
سياسة 10/22/2025 8:06:00 PM
تحليل تقني يحذّر من إمكانات الدرونات التي تُحلّق فوق بيروت