دفترُ اوجاعٍ لا دفترَ ارقامٍ

منبر 21-10-2025 | 11:47

دفترُ اوجاعٍ لا دفترَ ارقامٍ

في كلِ عام تُفتح دفاتر الدولة على صفحات مثقلة بالأرقام، فتُسمى موازنة، لكنها في لبنان تكاد أن تُشبه مرآةً مشروخة أكثر من كونها ميزاناً عادلاً. 
دفترُ اوجاعٍ لا دفترَ ارقامٍ
تعبيرية
Smaller Bigger

المحامي ربيع حنا طنوس

 

في كلِ عام تُفتح دفاتر الدولة على صفحات مثقلة بالأرقام، فتُسمى موازنة، لكنها في لبنان تكاد أن تُشبه مرآةً مشروخة أكثر من كونها ميزاناً عادلاً. الأرقام ليست مجرد معادلات حسابية، بل حروف مكتوبة بعرق المواطنين ودموعهم، وديون تتناسلُ على أكتاف أجيال لم تولد بعد. هكذا تتحوّل الموازنة من صك تشريعي إلى شهادة على أزمة وطن، ومن نصٍّ مالي جامد الى نصٍّ انسانيٍّ مفتوح على وجع الناس.
احترام المهل الدستورية كما نصت عليه المادة 32 من الدستور اللبناني، هو اول اختبارٍ جديّ لجدارة الدولة في تنظيم شؤونها المالية. فالتقيّد بالمهل ليس مجردّ التزام زمنيِّ، بل ضمان لاستمرار الرقابة والمحاسبة، وتعبيرٌ عن انتظام السلطة في خدمة المصلحة العامة. غير أن الالتزام بالشكل لا يُغني عن جوهر المضمون. فالموازنة ليست ورقة تُنجز في موعدها، بل رؤية إصلاح تقاس بمدى عدالتها وقدرتها على إنصاف المواطن.
والعدالة في توزيع الأعباء هي قلب الموازنة النابض. فحين تُثقل كاهل الفقراء وتعفي الأقوياء، تنقلب إلى اداة للتمييز لا للإنصاف. العدالة الضريبية ليست شعاراً سياسياً، بل عقدٌ اخلاقيٌّ بين المواطن ودولته، يُفترض ان يُحمّل كل طرفٍ نصيبه من المسؤولية وفق قدرته، لا وفق قربه من السلطة او نفوذه داخلها. عندها فقط تتحوّل الضرائب من عبءٍ إلى مساهمة في بناء وطن.
ولا تكتمل الموازنة من دون ربطها بإصلاح المرافق العامة، تلك الأعمدة التي تتحمل حياة المواطن اليومية: الكهرباء تُنير، المياه تجري، إدارة تحترم وقت الناس وكرامتهم. فالإهدار ليس قدراً، بل قرار، ومكافحته تبدأ من ارادةٍ سياسية صادقة تُعيد المال العام إلى مكانه الطبيعي، في خدمة المواطن. حين تُدار الموازنة بشفافية ومحاسبة، تصبح دفتر حياة يكتب بالأمل، لا بالشكاوى والعجز.
وعليه، تظل الموازنة صورة الدولة، تكشف عجزها وقدرتها، وتفضح وجع الناس وأحلامهم المعلقة بين ديون ومحاسبات ناقصة. فهل ستظل الأرقام سجلات على الورق أم سيصبح القانون سلاح المواطن لمحاسبة السلطة؟ وكيف يمكن لكل فرد أن يعرف أنه صاحب حق، وأن الفساد لن يُترك ليعيد تدوير معاناته عاماً بعد عام؟

السؤال الحقيقي الذي يبقى معلقاً في ذهن كل لبناني ليس عن الموازنة نفسها، بل عن إرادته في محاسبة من يضعها وينفذها: هل ستصبح أدوات الرقابة والمساءلة فعلاً، ام مجرد طقوس دستورية بلا جدوى؟ هنا يلتقي القانون بالمسؤولية، والسياسة بالأخلاق، ليطرح أمام كل واحد منا: كيف سنكتب نحن الفصل القادم من دفتر حياتنا، بحيث لا يكون مجرد دفتر اوجاع.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/25/2025 1:09:00 PM
تأتي هذه الخطوة في وقت تعاني فيه العديد من المدارس السورية نقصاً حاداً في المقاعد الدراسية
اقتصاد وأعمال 10/28/2025 10:49:00 AM
يعطي المدعي العام المالي القاضي ماهر شعيتو عناية خاصة لملف المبالغ المستعادة ومتابعة كل تفاصيله.
النهار تتحقق 10/28/2025 1:58:00 PM
أثارت الصورة تساؤلات عن صحتها، خصوصاً انه ليس من المألوف ظهور رئيس البرلمان اللبناني بالدشداشة والشبشب. 
لبنان 10/27/2025 8:02:00 PM
أثار خبر مقتل الشاب إيليو أبو حنا برصاص فلسطيني في مخيم شاتيلا عضباً لبنانياً كبيراً.