ريمون مرهج

وصل شيخ كهل إلى قرية من قرى جبال لبنان يجول سيراً على أقدامه في دروب الأحياء، فالتقى فلاحاً يشذّب الأشجار المثمرة ويقلم أغصانها، فألقى عليه التحية وسأله: ما هي الحياة؟ فأجابه: الحياة زرع طيب وأزهار جميلة، ولكن عليك أن تعتني بها وتزيل عنها العشب الضار والأشواك كي يبقى رونقها وجمالها نضرا.ً فكلما تعبت في رعايتك لها كان نجاحك أكبر وعطاءها أكثر. وكلما كان تفانيك بطيب خاطر لاجلها تلقى ثمار تعبك وعطائك أضعافاً وأضعاف فتحصد النجاح وتشعر بالحياة. 
أكمل الشيخ سيره وصادف مهندساً يتأمل خرائط بناء جديد غير مكتمل، ويقوم بإرشاد البنائين وكيفية مواصلة عملهم في تشيد المبنى. توقف ورمى عليه السلام قائلاً: يا حضرة المهندس ما هي الحياة؟ فصمت هنيهة ثم تكلم والإبتسامة تعلو وجهه: الحياة صرح عال وكي تفهمها عليك صعود سلالمها درجة تلو الأخرى، وكلما ارتفعت شاهدت مكنوناتها ورأيت العالم بصورة أوضح، وحينها ستدخل لب الحياة في هذه الدنيا وتفهم معنى وجودك فيها أكثر وأكثر. 

شكراً، أجاب الكهل وأكمل مشياً على الطريق حتى اقترب من دكان يبيع المواد الغذائية والخضر، فجمد أمام المتجر وصبّح على البقال وأردف قائلاً: يا سيد هل لك أن تفسر لي عن الحياة؟ فرد البقال باهتمام قائلاً: الحياة أخذ ورد، شراء وبيع، صفقة جيدة إن عرفت كيف تساوم لشرائها والحصول عليها، وإن تمت فرحت بربحك الحكيم وشعرت بعزة في نفسك وشعرت بقيمة كيانك ومكانتك في هذا العالم. ساد الصمت للحظات ثم قدم جزيل الشكر على إجابته، وتابع رحلته في أزقة القرية حتى وصل إلى مستوصف قابع في ساحة الضيعة، فقرع بابه ودخل فرأى طبيباً جالساً وراء مكتبه فصافحه ورد عليه السلام بفرح واستنبطه بسؤال: ما هي الحياة يا حضرة الطبيب؟ نظر الطبيب إلى عيني الشيخ المسن طويلاً ثم أجاب: الحياة نعمة عظيمة ورائعة ولكن ركنها الأساسي هو الصحة، فلا معنى للحياة من دون العافية والصحة ولو كنت تملك العالم بأسره. وإن كنت تحظى بصحة جيدة وبسلامة جسدك وروحك، فكل أمر آخر هو ثانوي وتستطيع الوصول إليه أو محاولة تحقيقه. فإن كنت بخير ترى وجه الحياة بأمل وتفاؤل وترسم الغد بإصرارٍ وتفانٍ.
ترك الشيخ المكان ورحل بهدوء نحو شجرة سنديان معمرة تقبع على مفترق طرق مؤدية إلى قرى أخرى في تلك الجبال، وحينما وصل الى تحت ظلالها ارتمى على جذعها وتمدد ليرتاح من حرارة الشمس. تنهد ورفع الكوفية عن رأسه ثم تناول مطرة صغيرة من جعبته وتجرع الماء بشغف وافترش صخرة صغيرة قرب جذعها وجال بنظره ملياً في الأفق البعيد يتأمل الغيوم في السماء حيناً وفي اخضرار الوديان وسفوحها حيناً آخر. ثم سحب من سترته دفتراً صغيراً وقلم رصاص وأخذ يكتب: الحياة هي الروح في كل إنسان وكل منا يراها حسب ما يتمناها، ولكنها رحلة قصيرة في هذه الأرض وستنتهي في أحد الأيام وتختفي، لذلك علينا أن نحيا بها كما نريد بفرح وسلام وعلينا ألا نؤجل أي أمر يشعرنا ببهجة الحياة ويرينا جمالها، فمن الممكن ألا يكون هناك غد جديد والحياة لتشعر بعطرها وأريجها الفاتن. عليك أن تزين روحك بفعل الخير، بالمحبة، بالعطاء واحترام أخيك الإنسان، حينها ستشعر بالسلام الداخلي والطمأنينة التي هي ينبوع الحياة، وستدرك أيضاً أن الحياة لن تنتهي برحيلك من هذا العالم بل ستبقى في لبها وأعماقها ما بعد موت الجسد.