السلحفاة والبطتان في لبنان

منبر 20-10-2025 | 09:47

السلحفاة والبطتان في لبنان

تفرّعت غصون الشمس من أحد جبال لبنان وبدأت حيوانات الغابة بالاستيقاظ واحداً تلو الآخر لتقطف من الشمس بعضاً  من طاقتها. فجأة، تصاعد الدخان من إحدى التلال وبدأت الحيوانات بالهروب من ألسنة النار التي كانت تنتشر بسرعة وقوة فساد تلك الغابة.
السلحفاة والبطتان في لبنان
تعبيرية (مواقع تواصل)
Smaller Bigger

نعمت كريدلي

تفرّعت غصون الشمس من أحد جبال لبنان وبدأت حيوانات الغابة بالاستيقاظ واحداً تلو الآخر لتقطف من الشمس بعضاً  من طاقتها. فجأة، تصاعد الدخان من إحدى التلال وبدأت الحيوانات بالهروب من ألسنة النار التي كانت تنتشر بسرعة وقوة فساد تلك الغابة. الشمس مشرقة والوجوه محترقة؛ لطالما حذّرت السلحفاة سكّان الغابة من تداعيات حرق النفايات بدلاً من فرزها وإعادة تدويرها، لكن السلطة التي تدير غابة لبنان لم تكترث للمصلحة العامة، بل لمنافعها الشخصية. أما باقي الحيوانات فقد تآلفت مع سياسات سلطتها وأدمنت إعادة انتخابها. 

وجدت السلحفاة نفسها وحيدة بعد أن هربت كل الحيوانات إلى أماكن بعيدة عن ثمار خياراتها. نظرت السلحفاة حولها ولم تجد أحداً سوى وحش النار الذي كان على وشك التهامها قبل أن تلمحها بطتان وتهبطا على شجرة بقربها. "نريد إنقاذك أيتها السلحفاة، لكن كيف؟" صرخت إحدى البطتين. "لا وقت لقطع غصن شجرةٍ كي تلتقطاه من الجهتين وأمسكه بفمي، لديّ قلم كبير يفي بالغرض!" أجابت السلحفاة وهي تسارع لإخراج قلمها الكبير من تحت التراب. نظرت إحدى البطتين إلى السلحفاة باستغراب وقالت لها بنبرة تحذيرية: "سنساعدك في الوصول إلى مكان آمن، لكن إيّاك أن تتفوهي بكلمة وإلا ستقعين على الأرض وتموتين!". وافقت السلحفاة ووضعت ما استطاعت أن تجمعه من أغراضها على ظهرها وتشبثت بالقلم من خلال فمها وطارت بأمان بعد أن أمسكت البطتان طرفي القلم. 
حدّقت السلحفاة بحسرة بمنزلها المتآكل من النار والحي الذي كانت تعيش فيه وقد تحوّل إلى رماد. انتابها شعور متناقض يتأرجح بين العجز والاستسلام تارة والانتقام والمبادرة لإيقاف هذه الكارثة تارة أخرى. "لن أترك موطني ينهار ويزول!" صرخت السلحفاة، وسرعان ما فقدت قدرتها على التعلق بالقلم، لكن ما لم تكن تعرفه البطتان هو أن  السلحفاة كانت تحمل على ظهرها مظلة وكانت تتقن الطيران الشراعي. كانت البطتان في حالة ذهول وهما تنظران إلى السلحفاة وهي تفتح مظلتها وتهبط في مكان آمن قريب من الحريق." ماذا فعلت أيتها المجنونة؟ يجب أن تغادري معنا فوراً وإلا سنتركك لمصيرك هنا وحدك وننجو بأنفسنا!" وجّهت إحدى البطتين هذا التهديد للسلحفاة التي امتلأت عيناها ببريق من خيوط الشمس ولهيب النار، " لن أترك موطني يحترق. علينا إخماد الحريق والتحرك فوراً. لوحدي لن أستطيع إيقاف النار، لكن إذا استطعتما  إقناع باقي الحيوانات ببناء سياج كبير من التراب حول الحريق ومن ثم رمي كميات كبيرة من التراب فوقه سنستطيع إخماده". "وكيف سنقنعهم بذلك؟ أنت تعلمين أنهم جبناء ونفعيون! "تساءلت إحدى البطتين. أمسكت السلحفاة قلمها الكبير وبدأت بكتابة رسالة إلى سكّان الغابة:
 سكّان غابتي الأعزاء
علينا أن نتحد لإنقاذ ما تبقى من موطننا وإلا سنعيش مشردين طوال حياتنا وستلعننا الأجيال القادمة. إختلافكم كان سبب خلافكم، لكن يمكن أن يكون سرّ قوتكم. كل واحد منكم لديه كنز دفين من القدرات الجبّارة، لكنّه سمح بابقائها دفينة. اليوم لدينا فرصة تاريخية للتعاون من أجل الوطن، أي من أجلنا. عودوا الآن لنطفئ النار ونبدأ بإعادة إعمار غابتنا الاستثنائية. سيّجوا الحرائق بالتراب ولتبدأ كل الطيور برمي التراب فوق النيران. لا تخذلوا وطنكم لا تخذلوا أنفسكم!
    طارت البطتان بسرعة نحو الحيوانات الهاربة وهما تحملان رسالتها  تاركة السلحفاة وحيدة وفي عينيها بريق أمل بالعودة إلى أحضان الشمس في موطنها. مرّ الوقت على السلحفاة وكأنّه خطوات جبلية لا يحرّكها إلا تزلزلها من الداخل. بدأ البريق يغيب في عينيّ  السلحفاة، نظرت إلى قلمها بصمتٍ حارق؛ اعتراها شعور متوحشٌ يحثها على إشعال قلمها بعد اعتقادها  أنّه أُصيب  بداء العجف. 
  فجأةً  بدأت ترى أسراباً هائلة من الطيور بأحجام وأشكال مختلفة يحملون التراب بأوراق الأشجار الكبيرة والمتينة ويرمونه فوق الحرائق. أسرابٌ تغادر لإعادة التعبئة وأخرى تصل لتفرغ حمولتها، كأنّها أنغام موسيقية من المد والجزر تعزف أعذب الألحان برفرقة أجنحتها. كان المشهد أشبه بمهرجان موسيقيّ يردد صدى نشيد وطني كاد أن يُهزَم ما جعل السلحفاة تتجرأ لتطلب من قلمها الرقص على ألحان نجدة الوطن. في اللحظة التي كانت السلحفاة تراقص قلمها وصلت البطتان إليها ليخبراها أن باقي الحيوانات تعاونت على بناء سياج ترابي إستطاع منع النيران من التوسع وأن الغابة أصبحت آمنة الآن بعد اتحاد الجميع لإطفاء نيرانها وقد حان وقت العودة. أكملت عينا السلحفاة رقصة الانتصار بعد سماع هذا الخبر الأسطوري؛ تمسكت جيّداً بقلمها بعد أن حمل البطتان طرفيه. وصل الجميع إلى الغابة وقد بقي القليل من أشلاء ذكرياتهم، لكن الكثير من الإصرار لخلق ذكريات جديدة. شكرت السلحفاة البطتان على مساعدتها وإيمانهما برسالتها. وبعد وصول السلحفاة إلى مكان تجمع الحيوانات، بدأوا  يصفقون لها بحرارة ورفعوا يافطات من أوراق الشجر مكتوب عليها : "القيادة تعني مواجهة الكارثة بحكمة كي لا تجلب كوارث جديدة، وأنتِ الآن قائدتنا الجديدة!". 

   
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/28/2025 3:43:00 PM
نيفين العياصرة: "تعرضت إلى الشتائم والقدح والذم وسأتخذ بشأنها إجراءات قانونية واضحة".
لبنان 11/26/2025 5:22:00 AM
كل ما يجب معرفته عن زيارة الحبر الأعظم الأحد
لبنان 11/30/2025 7:25:00 AM
 البابا لاوون الرابع عشر في لبنان "وطن الرسالة"، في أجواء مشحونة بالتحديات ومفعمة بترقب خاص
سياسة 11/28/2025 5:57:00 PM
تفاصيل غير مسبوقة عن كيفية وصول الموساد إلى عماد مغنية