وَطَنُ النُجومِ أَنا هُنا، حدِّق أتذكُرُ من أنا؟

منبر 17-10-2025 | 12:07

وَطَنُ النُجومِ أَنا هُنا، حدِّق أتذكُرُ من أنا؟

وَطَنُ النُجومِ أَنا هُنا… هكذا يبدأ المغترب اللبناني رحلته اليومية ما بين الذاكرة والواقع، بين الأرض والغربة. ليس مجرد شخص غادر بل هو ظل الوطن الذي ارتحل بحثاً عن نورٍ مسروق. عند مغادرته مطار بيروت، لا يحمل حقيبةً فقط، بل وطناً مطويّاً في قلبه.
وَطَنُ النُجومِ أَنا هُنا، حدِّق أتذكُرُ من أنا؟
وادي جهنم الواحة المذهلة.
Smaller Bigger

ريمي الحويك 

 

 

 

وَطَنُ النُجومِ أَنا هُنا… هكذا يبدأ المغترب اللبناني رحلته اليومية ما بين الذاكرة والواقع، بين الأرض والغربة. ليس مجرد شخص غادر بل هو ظل الوطن الذي ارتحل بحثاً عن نورٍ مسروق. عند مغادرته مطار بيروت، لا يحمل حقيبةً فقط، بل وطناً مطويّاً في قلبه. يغادر كمن يُنتزع من جلده، يخلع قلبه عند البوابة الأخيرة، مدركاً أن المسافة بين القلب والوطن هي الأطول، وأن من يغادر لبنان لا يعود كما كان.
المغترب هو هيكل منفيّ يمشي على خريطة نائية، يعمل حتى يذوب الجسد، يصمت حتى تتآكل الروح. كل قطرة عرق تسقط منه هي نهر تضحية يصبّ في شرايين الوطن، وكل تعب يعيشه هو حجر في هيكل مقدس اسمه لبنان. في بلاد الانتشار، يتحوّل الوطن إلى أسطورة معلّقة بين النجوم، إلى فكرة مقدسة تتجاوز الجغرافيا، إلى طقس يوميّ. إنه رائحة الصباح في صحراء البُعد، ووَمضة في العين حين يُنطق اسم لبنان.
الغربة مدرسة الألم، لكنها أيضًا معبد الحكمة، يعيش المغترب معلّقاً بين سماءين وممزّقاً على أرضين، حيث يقيم يُنظر إليه كغريبٍ ناجحٍ وأنيق، وحيث وُلِد يُعامَل كزائر عابر. عودته أشبه باعتذار عن الغياب في جنازة طويلة لوطن يحتضر. هذا هو المنفى المزدوج، أسوأ خيارين أن لا يعرف أين يضع رأسه لينام من دون أن يوقظه سؤال الانتماء.
المغترب هو الشريان الأخير الذي يضخ الحياة في جسد بلد أنهكه النزف. رفع أثقاله بأضلعه، وأرسل تعب الغربة وجنى عمره كله إلى مصارف الوطن، فكان الجزاء خيانةً لميثاق الدم والتراب. نُهِبت أمواله، نُهِبت غربته، نُهِب رغيفه ودواءه، هو من واجه فشل الدولة بالاغتراب، فواجهته الدولة بالانحراف.

 

 

لقد انهار المفهوم التقليدي للهيكل الوطني؛ فالوطن ليس مجرد خريطة وعلم ونشيد، بل هو عقد اجتماعي مبني على العدل والاعتراف المتبادل؛ وطن لا يرى أبناءه المهاجرين إلا كأرقام تحويلات مصرفية، ويهمّش أصواتهم كضيوف موقتين، يفقد معناه الأخلاقي والإنساني قبل أن يفقد سلطته السياسية؛ وطنٌ يتّكئ على كاهل المُغترب لينهض ثم يقمع صوته وحقّه في المشاركة، هذا هو أتعس وصف للفراق القسري الذي يتجاوز ألم البعاد إلى ألم الخذلان المُطلق، "أصعب من أيّام الفرقة، من الليلات السود، إنّك ترجع لا في ملقى، ولا حُبّ ولا وعود".
الأزمة اللبنانية هي فشل في وَزن المواطنة. المغترب ليس مجرد مرسل للحوالات، بل مشروع وطن يملك الكفاءة والرصيد الفكري لإنقاذ الهيكل المنهار. يجب إلغاء المقاعد الرمزية ومنح المغترب الحق الكامل وغير المقيّد في الانتخاب. المشاركة التامّة هي استثمار وطني إلزاميّ وقوة دفع مستقلّة قادرة على كسر توازنات النظام الطائفي وضرب منظومة الفساد.
حين يُنصف الوطنُ أبناءه في الغياب والحضور، وحين تصبح الغربة جسراً لا سجناً، عندها فقط يستعيد لبنان وجهه الحقيقي، وطن الأرواح التي لا تعرف المنفى، وطن يستحيل نسيانه، كما قال شاعر المهجر إيليا أبو ماضي:
"فالمرء قد ينسى المسيءَ، المُفتري والمُحسِنا،
 لكنّه مهما سلا،
 هيهات يسلو الموطنا".

الأكثر قراءة

كتاب النهار 10/15/2025 4:35:00 PM
إن كانت المشكلة قائمة فعلاً، فليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وكان يجدر بالوزيرين المعنيين معاً، أن يبادرا إلى درس التداعيات قبل اتخاذ قرار مماثل يمكن وصفه بـ"العشوائي"...
لبنان 10/16/2025 9:40:00 PM
 أكثر من 13 غارة إسرائيلية استهدفت جنوبي لبنان مساء اليوم...
سياسة 10/15/2025 10:23:00 PM
 طارق متري يستنكر تسريب جوازات السفر الخاصة بالوفد السوري الذي زار لبنان أخيراً، واصفاً هذا التصرف بأنه غير مقبول.
سياسة 10/16/2025 12:22:00 PM
وزير الداخلية من برجا: ملتزمون بسط سلطة الدولة وإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري